للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البر والإحسان إلى غير المسلمين لا يعني مودتهم ونصرتهم]

ولابد أن نستذكر هنا أمراً آخر: وهو أن الإحسان إليهم والبر بهم وأداء المعروف إليهم لا يعني بأي حال من الأحوال حبهم ولا مودتهم ولا موالاتهم، فهناك فرق شاسع بين ذلك وبين الإحسان وبذل المعروف لهم كما في قصة أم أسماء التي ذكرناها، وفيها الأمر بالصلة والإحسان، وهذا لا يؤدي إلى محبتهم أو موالاتهم التي نهى الله تبارك وتعالى عنها.

فالمؤمن الحقيقي لا يمكن أن يحب كافراً، أما من كان يحب كافراً فذاك ضعف في إيمانه وآفة ومرض في قلبه، فالذي يجد في قلبه حباً للكافر ورضىً عنه ومودة قلبية له، فهذا لابد أن يصحح إيمانه ويصحح إسلامه من جديد، فكل ما ذكرنا لا علاقة له بالمودة والمحبة والموالاة.

يقول الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى في تفسير قوله عز وجل: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة:٨] إلى آخر الآية.

قال: وهذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين وجواز برهم، وإن كانت الموالاة منقطعة عنهم.

الموالاة والنصرة والود والحب هذا للمؤمن فقط، لكن الكافر حتى وإن كان أباك أو أخاك أو أمك فهو ليس من أهلك، كما قال عز وجل: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:٤٦] أو (إنه عَمِلَ غيرَ صالح) كما في قراءة أخرى، فقوله: (ليس من أهلك) ليس معناه كما يفهم بعض الناس أنه ولد زنا؛ لأنهم يربطون هذه الآية بقوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم:١٠] كلا! لا يمكن أبداً لأزواج الأنبياء أن يخنّ بالفسق والفجور، لا يمكن ذلك أبداً؛ لأن الأنبياء منزهون من أن يقع ذلك من زوجاتهم، كما قال عز وجل: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ} [النور:٢٦] أي: الطيبات بالصفات الحميدة من العفة والطهر للطيبين.

فالمقصود من خيانة زوجة لوط هو أنها كانت تدل قومها على ضيفانه، ومعونتهم على ما كانوا عليه من الحال الفاسدة أو الشرك والكفر، لكن لا يمكن أبداً أن يحصل الزنا من زوجة نبي؛ لأن هذا طعن في النبي نفسه، والله تعالى حفظ أنبياءه من أن تفجر نساؤهم بهذه الأفعال.

والشاهد من الكلام أن ابن نوح هو ابنه من صلبه، وذلك لمن تأمل قوله عز وجل: {فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود:٤٥] أي: من صلبي ومن عشيرتي، وقد وعدتني من قبل أنك ستنجيني وأهلي.

{فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود:٤٥ - ٤٦]، فأهلك هم أهل الإيمان وأهل التقوى والإسلام، {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:٤٦].