للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ! فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِه، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ ، فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا، قَالَ: (مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ؟ )، قَالُوا: عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ، قَالَ: (عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ ! إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ، فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ)، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْن، وَرُكْبَتَيهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِه، وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ" (١).

والجمعُ بينَهما لا بأسَ له للرَّائي والمالكِ؛ لأنَّه مِن المَعَانِي الحَسَة، وقد روَى البخاريُّ؛ مِن حديثِ سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ؛ قال: كان النبيُّ إِذَا صَلَّى صَلَاةً، أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِه، فَقَالَ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟ )، فَإِنْ رَأَى أحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ: (ما شَاء اللَّهُ) (٢)، ولكنَّه في روايةٍ في البخاريِّ؛ قال: "فَيُقَصُّ عَلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أنْ يُقَصَّ" (٣)، وفي روايةٍ له أُخرى؛ قال: "فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أنْ يَقُصَّ" (٤).

وإنَّما شُرعَ الدعاءُ بالبَرَكةِ عندَ ذلك؛ لأنَّ النَّفْسَ تجدُ عندَ استحسانِها لشيءٍ مِن نعيمٍ وفضلٍ لغيرِها شيئَيْنِ:

الأولُ: أنَّها تَفقِدُهُ، وليس لدَيْها مِثلُهُ ولا أحسَنُ منه.

الثاني: تجدُ أنَّ غيرَها اختَصَّ بذلك عنها.

والحَسَدُ يأتي مِن الثاني أكثَرَ مِن الأول، ومِن هذَيْنِ يتولَّدُ الحسدُ، وتقعُ العينُ، فشُرعَ الدعاءُ بالبَرَكةِ لسدِّ ما تجدُهُ النفسُ؛ فإنَّ الدعاءَ بالبرَكةِ يتضمَّنُ الزيادةَ في خيرِ مَن أُعْطِيَ، وفي ذلك دفعٌ لِما تجدُهُ مِن


(١) أخرجه أحمد (٣/ ٤٨٦)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٧٥٧١)، وابن ماجه (٣٥٠٩).
(٢) أخرجه البخاري (١٣٨٦).
(٣) أخرجه البخاري (٧٠٤٧).
(٤) أخرجه البخاري (٧٠٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>