للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختصاصِ غيرِها به؛ ويتضمَّنُ أنَّ اللَّهَ هو مَن وهَبَ ورزَقَ وليس مِن تدبيرِ الناسِ واختيارِهم، وهذا يَكْسِرُ ما تجدُهُ النفسُ مِن حسدِ الناسِ على حُسْنِ تدبيرِهم؛ فإنَّ اللَّهَ هو مَنْ وهَبَهم، وما تدبيرُهم إلَّا سببٌ.

وأمَّا ما يُذكَرُ عن النبيِّ : (مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ، فَلْيَقُلْ: مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) (١)، وما جاء مِن حديثِ عُقْبةَ بنِ عامرٍ: "مَنْ أنعَمَ اللَّهُ عليه بِنِعْمةٍ، فأرادَ بقاءَها، فلْيُكثِرْ مِن قولِ: لا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللَّهِ"، ثمَّ قرَأ رسولُ اللَّهِ : ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ (٢)، فلا يَصِحَّانِ.

* * *

* قال تعالى: ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ [الكهف: ٦٤]

في هذه الآيةِ قام موسى وغلامُهُ بتتبُّعِ آثارِهما، ومَن يَعرِفُ الآثارَ ومواطئَ الأقدامِ والأصابعِ وشَبَهَ الرجُلِ بأخيهِ - يُسمَّى قَائِفًا، وسُمِّيَتْ قِيَافَةً؛ لأنَّ قافيةَ كلِّ شيءٍ تكونُ آخِرَه، ومنه قافيةُ الشِّعرِ؛ لأنَّها تَقْفُو البيتَ.

وفي هذا: دليلٌ على اعتبارِ القافةِ قرينةٌ توصِّلُ إلى المقصودِ؛ لاعتبارِ نبيِّ اللَّهِ موسى لها، وقد ثبَتَ أنَّ النبيَّ اعتبَرَها واستأنَسَ بها، وقد جاء أنَّه بعَثَ في أثرِ العُرَنِيِّينَ الذين سرَقُوا إبلَ الصدقةِ مَن يتتبَّعُ آثارَهم (٣)، وكذلك حينَما اتُّهم زيدُ بن حارثةَ في ابنِه أسامةَ؛ لأنَّ أسامةَ أَسْوَدُ، ووالدُهُ زيدٌ أبيضُ، وكان النبيُّ يُحِبُّهما ويسُوءُهُ ما يسُوءُهما،


(١) أخرجه الديلمي في "الفردوس بمأثور الخطاب" (٥٦٩٧).
(٢) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (٨٥٩)، و"الأوسط" (١٥٥).
(٣) أخرجه البخاري (٢٣٣)، ومسلم (١٦٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>