للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما في "الصحيحَيْنِ"؛ أنَّ النبيَّ دخَلَ على عائشةَ ذاتَ يومٍ تبرُقُ أساريرُ وجهِه، فقال: "يَا عَائِشَةُ، أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا المُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ، قَدْ غَطَّيَا رُؤُوسَهُمَا، وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ؟ ! " (١).

وقد عَمِلَ بالقَافَةِ عمرُ وعمَّارٌ وأنسُ بنُ مالكٍ.

وإنَّما تُعتبَرُ القيافةُ عندَ غيابِ الأدلَّةِ والبيِّنات، ولا تُعتبَرُ عندَ وجودِ البيِّناتِ ولا النقلِ عن الأصلِ الثابتِ؛ كَوَلَدِ الفِرَاشِ وغيرِ ذلك.

* * *

* قال تعالى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: ٧٩].

في هذه الآيةِ: أنَّ الخَضِرَ خرَقَ السفينةَ؛ ليجعَلَ فيها عَيْبًا؛ لأنَّها تمُرُّ على مَلِكٍ ظالمٍ يأخُذُ الصالحَ مِن السُّفُنِ له، وكان في خَرْقِ الخَضِرِ لها دفعٌ لمفسدةٍ أعظَمَ، وهي سلْبُ سفينتِهم كاملةً، وعِلمُ الخَضِرِ بالغايةِ -وهي المَفسدة الكُبرى- جعَلَهُ يَرتكبُ المَفسَدةَ الصُّغرى.

وفي هذه الآيةِ: جوازُ ارتكابِ أَدنى المَفسدتَيْنِ لدفعِ أعلاهُما، وكلَّما كان الإنسانُ بالمَفاسِدِ أبصَرَ، كان في بابِ السلامةِ أدَقَّ نظرًا وأكثَرَ توفيقًا، ومَن عرَفَ مَفسَدةً واحدةً، فإنَّه يعملُ على ما يَعلمُ، ولو كان معذورًا عندَ نفسِه، إلَّا أنَّه فد يُفسِدُها، وإنْ كان حاكمًا، أفسَدَ الناسَ معه، وقد كان النبيُّ أعلَمَ الناسِ بالمَفاسِدِ المجتمِعة، وأحكَمَهم بتخطِّي أعلاها بأدناها، وتركُهُ لهدمِ الكعبةِ مِن هذا البابِ، وتركُهُ للأعرابيِّ الذي بال في المسجدِ منه كذلك.


(١) أخرجه البخاري (٦٧٧١)، ومسلم (١٤٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>