وبينَ ما تُفسِدُهُ بالنهارِ؛ فأمَّا ما تُفسِدُهُ بالليلِ، فالضمانُ على صاحِبِها؛ وذلك لِما جاء في قصةِ البَرَاءِ، ولِما جاء في قصاءِ سُلَيْمانَ ﵇، وإنْ أفسَدَتْ بالنهارِ، فلا ضمانَ على صاحِبِها؛ لعمومِ قولِهِ ﷺ:(الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ)؛ رواهُ الشيخانِ (١).
وفرَّقوا بينَ الليلِ والنهارِ؛ للتفريقِ بينَهما في الوحي.
وذهَب أبو حنيفةَ: إلى أنَّه لا ضمانَ في الليلِ والنهارِ على صاحِبِها، وعمَّمَ حديثَ:(الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ)، ولم يُقيِّدْه، والصوابُ: تقييدُهُ بالنهارِ؛ لأنَّ إطلاقَ ذلك يُفسِدُ على الناسِ مالَهم، وليس في الناسِ قُدْرةٌ على اليقظةِ في الليلِ؛ لحمايةِ منافِعِهم وبساتينِهم، ولكنْ للرَّاعِي قُدْرةٌ على حفظِ البهائمِ في مُرَاحِها، وأمَّا النهارُ، فهو مَحَلُّ عملٍ ورؤيةٍ لصاحبِ المالِ أنْ يحفَظَ مالَه، والبهائمُ مطلقةٌ تَرعى يصعُبُ قيدُها في النهارِ عكسَ الليلِ.
ويَلحَقُ بهذه المسألةِ ما تُسبِّبُهُ البهائمُ مِن حوادثَ في الطُّرُقاتِ؛ فما تسبَّبَتْ به ليلًا، فالضمانُ على صاحِبِها، وما تسبَّبَتْ به نهارًا، فلا ضمانَ عليه؛ للحديثِ؛ وذلك أنَّ السيرَ في الطريقِ نهارًا يَرى معه الراكبُ طريقَهُ مَدَّ بَصَرِهِ بخلافِ الليلِ، وإن أصاب بهيمةً أو أصابتْهُ بهيمةٌ في طريقِه، فبسببِ إهمالِهِ أكثَرَ مِن إهمالِ صاحِبِها.