للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآيةَ، قال أبو بكرٍ: فعَلِمتُ أنَّه سيكونُ قتالٌ؛ قال ابنُ عبَّاسِ وهي أولُ آيةِ نزَلت في القتالِ" (١).

وبهذا قال عروةُ؛ أنَّها أولُ آيةٍ نزَلَت في الجهادِ (٢).

قد قال ابنُ زَيْدٍ: "أذِنَ لهم في قتالِهم، بعدَما عفا عنهم عَشْرَ سنينَ" (٣).

وإنَّما تأخَّر تشريعُ الجهادِ تلك المدةَ؛ لأنَّ الصحابةَ كالوا في زمنِ صَعْفٍ وقلةِ عددٍ، وكان الكافرونَ في موضعِ قوةٍ وبأسٍ، واللَّهُ لا يأمُرُ الناسَ بشيءٍ إلَّا وهو مُقترِنٌ بأسابٍ كونيَّةٍ ظاهرةٍ، ما لم يَجعَلِ اللَّهُ مِن ذلك إعجازَا لنبيٍّ مِن أنبيائِه، واللَّهُ لا يُرِيدُ ذلك في كل أفعالِ الأنبياءِ؛ حتى لا يُصابَ أتباعُ الأنبياءِ بالوَهْنِ والضَّعْفِ مِن بعدِ موتِ أنبيائِهم، ولكنَّ اللَّهَ جعَلَ نصرَ الأنبياءِ مِن جنسِ نصرِ الصحابةِ؛ فذلك أَدْعَى لثَباتِهم وقوَّتِهم وشدةِ عزائمِهم بعدَ استخلافِهِ لهم بعدَهم.

ويُؤخَذ مِن تأخُّرِ نزولِ الآيةِ مع شِدَّةِ البأسِ والعذاب على الصحابةِ: أنَّه يجبُ على الناسِ عندَ تسلُّطِ عدوِّ ظالِمِ عليهم ألَّا يَغلِبَ عليهم حظُّ أنفُسِهم بالتشفِّي والانتقامِ على النظرِ إلى عاقبةِ الدِّينِ؛ فإنَّ للنفوسِ إقبالًا، على الانتصارِ لنفسِها والانتقامِ مِن عدوِّها ولو هلَكَت.

والواجبُ: النظرُ الى عاقبةِ الحقِّ، ومدى قُدْرةِ العدوِّ على استئصالِهِ باستئصالِهم؛ فإنَّهم -وإن كانوا قد باعوا أنفُسَهم اللَّه- يجبُ أن يَعلَموا أنَّ اللَّهَ استوْدَعَهُمْ حِفْظَ دِينِه، فهم باعوا أنفُسَهم ولم يَبِيعُوا دِينَهُ


(١) أخرجه أحمد (١/ ٢١٦)، والترمذي (٣١٧١)، والنسائي (٣٠٨٥)، والطبري في "تفسيره" (١٦/ ٥٧٤)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٨/ ٢٤٩٦).
(٢) "تفسير ابن أبى حاتم" (٨/ ٢٤٩٦).
(٣) "تفسير الطبري" (١٦/ ٥٧٥)، "تفسير ابن أيي حاتم" (٨/ ٢٤٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>