الشرطُ الأولُ: الأخذُ بأسبابِ الأرضِ، والقُدْرةُ على الانتفاعِ منها، وذلك بحَرْثِها وغَرْسِها وسَقْيِها وحَصَادِها وصَرَامِها؛ فمَنْ كان في أرضٍ ولا يَملِكُ أن ينتفِعَ بأرضِها لخوفٍ أو ضَعْفٍ، فليس ممكَّنًا فيها، ومِن ذلك قولُ اللَّهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: ١٠]، ومَن لم يتمكَّنْ معاشُهُ مِن أرضِهِ مِن مُبتداهُ إلى مُنتهاهُ، فليس ممكَّنًا فيها، فمَنْ له سلطانٌ على الأرضِ، مَلَكَها ومَلَكَ انتفاعَهُ بها، وكان له قدرةٌ على تمكينِ الناسِ مِن الانتفاعِ منها بمَنْحِهم وإقطاعِهم؛ كما كان النبيُّ ﷺ يُقطِعُ بالمدينةِ بعضَ أصحابِه لمَّا تمكَّنَ مِن أرضِها.
وليس مِن التمكينِ على الأرضِ مَنْ يأخُذُ ثمارَها ولا يتمكَّنُ مِن مُبتدى ذلك بحرثٍ وغَرْسٍ وحصادٍ؛ لأنَّ أخذَ ثمارِها فقطْ يَقدِرُ عليه مَن لم يتمكَّنْ؛ وذلك كأخذِهِ بتخويفِ أهلِها، وقد يَقدِرُ عليه السُّرَّاقُ الذين يُبَيُتُونَ الناسَ على أرزاقِهم، وقد كان النبيُّ ﷺ متمكِّنًا مِن خَيْبَرَ، وصالَحَ اليهودَ عليها، فأَذِنَ لهم بحَرْثِها وغَرْسِها وسَقْيِها وصَرَامِها، فجعَلَهم كالعمَّالِ فيها، فهو قادرٌ ﷺ على أن يجعلَ المُسلِمينَ يقومونَ بذلك، ولكنَّه صالَحَ اليهودَ عليها.
الشرطُ الثاني: السَّيْرُ في الأرضِ بأمانٍ، فمَن كانوا في الأرضِ لا يتمكَّنونَ مِن السيرِ فيها والتبوُّءِ والسكَنِ منها حيثُ شاؤوا، لا يُعتَبَرُونَ ممكَّنينَ فيها؛ فاللَّهُ لم يجعلْ يوسُفَ ﵇ ممكَّنًا في مصرَ حتى أمكَنَه السيرُ فيها حيثُ شاءَ؛ كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ﴾ [يوسف: ٥٦]، فمَنْ كان لا يسيرُ في أرضِهِ إلَّا خائفًا متستِّرًا، فلا يُعَدُّ ممكَّنًا فيها، فالتمكينُ لا يجتمعُ مع شدةِ الخوفِ،