بيانَ أنَّ أباهُما كان يقومُ بذلك، ولكنْ لمَّا كَبِرَ، لم تَجِدَا بُدًّا مِن الإتيانِ إلى هذا الموضع، وقد تقدَّم الكلامُ على حُكْمِ اختلاطِ المرأةِ بالرجالِ، وبيانِ أحوالِهِ وأَنواعِه، في مواضعَ مضَتْ؛ منها عندَ قولِ اللَّهِ تعالى: ﴿فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وقولِه تعالى: ﴿تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦١]، وقولِه: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ [آل عمران: ٣٦]، وقولِه تعالى في هود: ﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ﴾ [٧١]، وقولِه في طه: ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا﴾ [١٠]، ويأتي الإشارةُ إلى ذلك في قولِه: ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ﴾ [الحجرات: ١١]، وقد بَيَّنْتُ ذلك مفصَّلًا في كتابِ:"الاختلاطُ: تحريرٌ، وتقريرٌ، وتعقبٌ".
وفي قوله تعالى: ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ وجوب قيامِ الرَّجُلِ بالكسب ومَؤُونَةِ أهلِه، زوجًا كان أو أبًا، أو أخًا أو ابنًا؛ وذلك لِما جعَلَ اللَّهُ فيهم مِن خَصِيصةٍ وقوَامةٍ؛ فاللَّهُ فَضَّلَهُمْ لأجلِ أشياءَ، منها كَسْبُهم ونفقتُهم على أهلِيهِم ومَنْ يَلُونَ مِن النساءِ ومَن لا يَملِكُ قوةً وكفايةً، فبناتُ صاحبِ مَدْيَنَ اعتذَرْنَ عن أبيهِنَّ، وذلك لأنَّ السؤالَ قام في ذهنِ موسى وغيرِه، فأَجَبْنَ مع أنَّه لم يَسْأَلهُنَّ، لأنَّ المَقامَ ليس مَقامَهُنَّ؛ بل مَقامُ وَليِّهِنَّ.
وقد بيَّنَّا ذلك عندَ قولِه تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: ٣٤]، وقولِه تعالى: ﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: ٥]، وقولِه تعالى لآدمَ وحَوَّاءَ: ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ [طه: ١١٧]؛ أي: تَخْرُجانِ جميعًا والشقاء لآدمَ؛ لأنَّه مكفيٌّ في الجنةِ مِن الضَّرْب في الأرضِ والعملِ والتكسُّبِ، وأمَّا في الدُّنيا، فسيَشْقَى وحدَه، ومَحَلُّ حَوَّاءَ في