للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدنوُّ نزولٌ، فيسمَّى أسفلُ الشيءِ وأقرَبُه: أدناهُ، ويسمَّى النازلُ الهابطُ بالنسبةِ للعالي: أَدْنى ودانيًا؛ كما في قولِه: ﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣)[الروم: ٣].

والأمرُ في الآيةِ هو لتغطيةِ المرأةِ وَجْهَها، فالجِلْبابُ في الأَعلى، فأُمِرَتْ أن تُنزِلَهُ على وجهِها وتُرْخِيَهُ عليه؛ قال الزَّمَخشَرِيُّ: "يُقالُ إذا زَلَّ الثوبُ عن وجهِ المرأةِ: أَدْنِي ثَوْبَكِ على وجهِكِ" (١).

ويدُلُّ على أنَّ الإدناءَ في الآيةِ يتضمَّنُ القُرْبَ مِن علوٍّ: قولُ ابنِ عبَّاسٍ: تُدْلِي عَلَيْها مِنْ جَلَابِيبِهَا؛ كما عندَ الشافعيِّ والبيهقيِّ (٢)؛ ففسَّر (الإِدْناءَ) بـ (الإِدْلاءِ)، والإِدْلاء يكونُ مِن الشيءِ العالي؛ ومنه قولُه: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [النجم: ٥ - ٩]، وهو قُرْبُ جبريلَ مِن النبيِّ ، فكان عاليًا ثمَّ دنا فتَدَلَّى إليه، ومنه سُمِّيَ الدَّلْوُ دَلْوًا؛ لأنَّه يُدْلَى به مِن عُلْوٍ إلى أسفلِ البئرِ.

وقد فسَّرَ إدناءَ الجلابيبِ بتغطيةِ الوجهِ في هذه الآيةِ وغيرِها جماعةٌ مِن الصحابةِ؛ صحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ وعائشةَ، ومِن التابعينَ: عَبِيدةُ السَّلْمانيُّ، ومحمدُ بنُ سِيرِينَ، وابنُ عَوْنٍ، ولا أعلَمُ أحدًا مِن الصحابةِ أو التابعينَ خالَفَ هذا المعنى:

أمَّا ما جاء عن ابنِ عبَّاسٍ، فقولُه: "أَمَرَ اللَّهُ نساءَ المؤمِنينَ إذا خَرَجْنَ مِن بُيُوتهنَّ في حاجةٍ أنْ يُغَطِّينَ وجوهَهُنَّ مِن فَوْقِ رؤوسِهِنَّ بالجلابيبِ، ويُبدِينَ عَيْنًا واحدةً؛ أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ وابنُ أبي حاتمٍ، عن


(١) "تفسير الزمخشري" (٣/ ٥٦٩).
(٢) مسند الشافعي" (ص ١١٨)، و"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (٤/ ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>