القولُ الثَّاني: ذهَبَ أحمدُ والشافعيُّ، ومالكٌ وأبو حنيفةَ: إلى أنَّ المرضِعَ والحامِلَ يجبُ عليهما أن يَقْضِيَا، واختُلِفَ في الإطعامِ، والحاملُ والمرضعُ في ذلك على حالَيْنِ:
أوَّلًا: إذا خافَتا على نفسَيْهِما؛ فهما يُقاسانِ على المريضِ باتفاقِ الأئمَّةِ الأربعةِ.
ثانيًا: إذا خافَتَا على ولدَيْهِما؛ كأنْ تكونَ المُرضِعُ قد جَفَّ حليبُها، وتخشى أنَّها إن لم تَطْعَمْ، قَلَّ دَرُّها وتضرَّرَ صبيُّها، أو تكونَ حاملًا وتتناولَ علاجًا لصبيِّها في بطنِها:
فذهَبَ أحمدُ وهو المشهورُ مِن مذهبِه، وهو قولُ الشافعيِّ في روايةِ المُزَنيِّ: إلى أنَّها تُفطِرُ وتُطعِمُ وتَقضي، واستَدَلَّ بقولِ اللَّهِ ﷿: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾.
وهذا القولُ لم يَصِحَّ القولُ به عن أحدٍ من السَّلَفِ - فيما أعلمُ - إلَّا مجاهدَ بنَ جَبْرٍ، وحكاهُ ابنُ أبي حاتمٍ عن بعضِ العراقيِّينَ؛ كالحسنِ والنَّخَعِيِّ في قولٍ له.
روى ابنُ أبي حاتمٍ، عن عُثْمانَ بنِ الأَسْوَدِ؛ قَالَ: سَأَلْتُ مجاهِدًا عن امْرَأَتِي، وكَانَتْ حَامِلًا، فوافَقَ تاسعُها شَهْرَ رَمَضانَ فِي حَرٍّ شديدٍ، فشَكَتْ إليَّ الصَّوْمَ، قد شَقَّ عليها، قالَ:"مُرْهَا، فَلْتُفْطِرْ وَتُطْعِمْ مِسْكِينًا كُلَّ يَوْمٍ، فَإِذَا صَحَّتْ فَتَفْضِ"(١).
قال أبو عبدِ اللهِ المروزيُّ:"لا نعلمُ أحدًا صَحَّ عنه أنَّه جمَعَ عليهما الأمرَيْنِ: القضاءَ والإطعامَ، إلَّا مجاهدًا".