للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهِ، فَقَدْ لَعَنَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنِ اتَّخَذَ قَبْراً مَسْجِداً (١) .

قَالَ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ جَدِّي يَقُوْلُ: مُنْذُ عرفتُ النَّصْرَابَاذِي مَا عرفتُ لَهُ جَاهليَّةً.

وَقَالَ الحَاكِمُ: هُوَ لِسَانُ أَهْلِ الحقَائِقِ فِي عَصْرِهِ، وَصَاحبُ الأَحوَالِ الصحيحَةِ، كَانَ جَمَّاعَةً للرِّوَايَاتِ مِنَ الرَّحَّالينَ فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ يُورِّقُ قديماً، ثُمَّ غَابَ عَنْ نَيْسَابُوْرَ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ يعظُ وَيذكِّرُ، وَجَاورَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، وَتعبَّدَ حَتَّى دُفِنَ بِمَكَّةَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَدُفنَ عِنْدَ الفُضَيْلِ، وَبِيعَتْ كُتُبُهُ، فكشفَتْ تِلْكَ الكُتُبِ عَنْ أَحْوَالٍ وَاللهُ أَعْلَمُ.

وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ، وعوتِب فِي الرُّوحِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ بَعْد الصِّدِّيقينَ موحِّدٌ فَهُوَ الحلاَّجُ.

قُلْتُ: وَهَذِهِ وَرْطَةٌ أُخرَى، بَلْ قُتلَ الحلاَّجُ بسيفِ الشَّرعِ عَلَى الزَّنْدَقَةِ، وَقَدْ جَمعتُ بلاَيَاهُ فِي جُزءينِ (٢) ، وَقَدْ كَانَ النَّصْرَابَاذِي صَحِبَ الشِّبلِيَّ، وَمَشَى عَلَى حَذْوِهِ، فَوَاغَوثَاهُ بِاللهِ (٣) .

وَمِنْ كلاَمِهِ: نهَايَاتُ الأَوْلِيَاءِ بدَايَاتُ الأَنْبِيَاءِ.

وَقَالَ: إِذَا أَعطَاكُمْ حَبَاكُمْ، وَإِذَا منعَ حَمَاكُمْ، فَإِذَا حَبَاكَ شَغَلَكَ، وَإِذَا حَمَاكَ حَمَلَكَ.

وَقَالَ: أَصلُ التَّصوُّفِ ملاَزمةُ الكتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَتركُ الأَهوَاءِ وَالبِدَعِ،


(١) انظر صحيح البخاري ٣ / ١٦٣: باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، ومسلم (٥٢٨) و (٥٢٩) و (٥٣٠) و (٥٣٢) في المساجد: باب النهي عن بناء المساجد على القبور.
(٢) تقدمت ترجمة الحلاج مفصلة في الجزء الرابع عشر من " السير ".
(٣) ذكر السلمي بعض هذه الأقوال في " طبقاته " ص ٤٨٨.