للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البَلَد، بِأَبرجَة، وَنَفَدَتِ الأَقوَات، حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يَموت فَيُؤكل، وَوَقَعَ فِيهِمُ المَوْتُ، وَفتر عَنْهُم التَّتَارُ وَصَابَرُوهُم، فَخَرَجَ إِلَيْهِم غُلاَم أَوْ أَكْثَر وَجَلَوْا لِلتَّتَارِ أَمرَ البَلَدِ، فَمَا صَدَقُوا، ثُمَّ قَربُوا مِنْ السُّورِ وَبَقوا أَيَّاماً لاَ يَجسرُوْنَ عَلَى الْهُجُوم، فَدلَى إِلَيْهِم مَمْلُوْك لِلْكَامِل حِبالاً، فَطَلعُوا إِلَى السُّوْرِ، فَبَقُوا أُسبوعاً لاَ يَجسرُوْنَ، وَبَقِيَ بِالبَلَدِ نَحْوُ التِّسْعِيْنَ بَعْد أُلوف مِنَ النَّاسِ، فَدَخَلتِ التَّتَارُ دَارَ الكَامِل وَأَمَّنوهُ، وَأَتَوا بِهِ هُولاَكو بِالرُّهَا، فَإِذَا هُوَ يَشرب الخَمْر، فَنَاول الكَامِلَ كَأْساً فَأَبَى، وَقَالَ: هَذَا حَرَامٌ.

فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: نَاوِلِيهِ أَنْتِ.

فَنَاولته، فَأَبَى، وَشتم وَبصق - فِيْمَا قِيْلَ - فِي وَجهِ هُولاَكو.

وَكَانَ الكَامِل مِمَّنْ سَارَ قَبْل ذَلِكَ وَرَأَى القَانَ الكَبِيْرَ، وَفِي اصطِلاَحِهِم مَنْ رَأَى وَجه القَان لاَ يُقتل، فَلَمَّا وَاجه هُولاَكو بِهَذَا، اسْتشَاط غضباً، وَقَتَلَهُ.

ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ الكَامِلُ شَدِيدَ البَأْسِ، قَوِيَّ النَّفْسِ، لَمْ يَنقهر لِلتَّتَارِ بِحَيْثُ إِنَّهُم أَخَذُوا أَوْلاَده مِنْ حِصنِهِم، وَأَتَوهُ بِهِم إِلَى تَحْتَ سُورِ مَيَّافَارِقِيْنَ، وَكلَّمُوْهُ أَنْ يُسلِّم البَلَد بِالأَمَان، فَقَالَ: مَا لَكُم عِنْدِي إِلاَّ السَّيْف.

قُلْتُ: طِيفَ بِرَأْسِهِ بِدِمَشْقَ بِالطُّبولِ، وَعُلِّق عَلَى بَابِ الفَرَادِيْسِ، فَلَمَّا انْقَلَعُوا، وَجَاءَ المُظَفَّرُ وَدُفِنَ الرَّأْس.

وَكَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ قَدِمَ دِمَشْق مُسْتنجداً بِالنَاصِر، فَبَالغ فِي إِكرَامه وَاحترَامِه، وَوعدَه بِالإِنجَادِ، وَرجع إِلَى مَيَّافَارِقِيْنَ، وَقُتِلَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-.

١٢١ - العَزِيْزُ غِيَاثُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابْنُ الظَّاهِرِ بنِ صَلاَحِ الدِّيْنِ *

السُّلْطَانُ، الْملك العَزِيْز، غِيَاث الدِّيْنِ مُحَمَّد ابْنُ السُّلْطَانِ الملكِ الظَّاهِرِ ابْنِ السُّلْطَانِ الكَبِيْرِ صَلاَحِ الدِّيْنِ.


(١) مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي: ٨ / ٧٠٣، الحوادث الجامعة المنسوب خطأ لابن =