قَالَ الحَاكِمُ: دَخَلَ الدَّارَقُطْنِيُّ الشَّامَ وَمِصْرَ عَلَى كِبَرِ السِّنِّ، وَحَجَّ وَاسْتفَادَ وَأَفَادَ، وَمصنَّفَاتُهُ يَطُولُ ذكرُهَا.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِيمَا نقلَهُ عَنْهُ الحَاكِمُ، وَقَالَ: شَهِدْتُ بِاللهِ إِنَّ شيخَنَا الدَّارَقُطْنِيَّ لَمْ يُخَلِّفْ عَلَى أَدِيمِ الأَرضِ مِثلَهُ فِي مَعْرِفَةِ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكذَلِكَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وَأَتْبَاعِهِم.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الخَمِيْسِ، لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَكَذَا أَرَّخَ الخَطِيْبُ وَفَاتَهُ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي تَرْجَمَتِهِ: حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مَاكُولاَ، قَالَ:
رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسأَلُ عَنْ حَالِ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الآخِرَةِ، فَقِيْلَ لِي: ذَاكَ يُدْعَى فِي الجَنَّةِ الإِمَامُ (١) .
وَصَحَّ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا شَيْءٌ أَبغضُ إِلَيَّ مِنْ عِلمِ الكَلاَمِ.
قُلْتُ: لَمْ يَدْخلِ الرَّجُلُ أَبداً فِي علمِ الكَلاَمِ وَلاَ الجِدَالِ، وَلاَ خَاضَ فِي ذَلِكَ، بَلْ كَانَ سلفيّاً، سَمِعَ هَذَا القَوْلَ مِنْهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: اختلفَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، فَقَالَ قَوْمٌ: عُثْمَانُ أَفضلُ، وَقَالَ قَوْمٌ: عليٌّ أَفضلُ.
فَتَحَاكَمُوا إِليَّ، فَأَمسكتُ، وَقُلْتُ: الإِمْسَاكُ خَيْرٌ.
ثُمَّ لَمْ أَرَ لِدِيْنِي السُّكُوتَ، وَقُلْتُ لِلَّذِي اسْتَفْتَانِي: ارْجِعْ إِلَيْهِم، وَقُلْ لَهُم: أَبُو الحَسَنِ يَقُوْلُ: عُثْمَانُ أَفضَلُ مِنْ عَلِيٍّ بِاتِّفَاقِ جَمَاعَةِ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هَذَا قَولُ أَهْلِ السُّنَّةَ، وَهُوَ أَوَّلُ عَقْدٍ يَحلُّ فِي الرَّفْضِ.
قُلْتُ: لَيْسَ تَفْضِيْلُ عَلِيٍّ بِرَفضٍ، وَلاَ هُوَ ببدعَةٌ، بَلْ قَدْ ذَهبَ إِلَيْهِ خَلقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، فَكُلٌّ مِنْ عُثْمَانَ وَعلِيٍّ ذُو فضلٍ وَسَابِقَةٍ وَجِهَادٍ، وَهُمَا
(١) " تاريخ بغداد ": ١٢ / ٤٠.