للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمْوَالاً نَحْوَ المائَة أَلْفِ دِيْنَار، فَسَارَ بِهِم إِلَى طُلَيْطُلَة، فَحَارَبَهُم، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَذَبَحَ والِيَهَا، ثُمَّ هَزَمَ عَسْكَراً وَاقعُوهُ، ثُمَّ قَصَدَ قُرْطُبَة، فَبرز لِقتَاله جَيْشُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ المَهْدِيِّ، فَحَطَمَهُم سُلَيْمَانُ، وَغَرِقَ خَلْقٌ مِنْهُم فِي النَّهر، وَقُتِلَ خَلْقٌ، وَكَانَتْ مَلْحَمَةً كُبْرَى، ذَهَبَ فِيْهَا عِدَّةٌ مِنَ العُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ، فَعَمَدَ المَهْدِيُّ، فَأَخْرَجَ المُؤَيَّد بِاللهِ بَعْدَ أَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَاتَ، فَأَجْلَسَهُ لِلنَّاسِ، وَجَعَلَ القَاضِي ابْنُ ذَكْوَانَ يَقُوْلُ:

هَذَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، وَإِنَّمَا ابْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ نَائِبُه.

فَقَالَتِ البَرْبَرُ: يَا ابْنَ ذَكْوَان! بِالأَمْسِ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَاليَوْمَ تُحييه!

وَأَمَّا الرَّعِيَّةُ فَخَرَجُوا يَطْلبُونَ أَمَاناً مِنْ سُلَيْمَان، فَأَكْرَمَهُم، وَاخْتَفَى ابْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، وَاسْتوسَقَ لسُلَيْمَان الأَمْرُ، وَدَخَلَ القَصَرَ، وَوَارَى النَّاسُ قَتْلاَهُم، فَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، وَهَرَبَ ابْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ إِلَى طُلَيْطُلَة، فَقَامُوا مَعَهُ وَاسْتَنْجَدَ بِالفِرَنْجِيَّة، وَبَعَثَ إِلَيْهِم مِنْ بَيْت المَالِ بَذَهَبٍ عَظِيْمٍ - فَلِلَّه الأَمْرُ -، ثُمَّ أَقْبَلَ فِي عَسْكَرٍ عَظِيْمٍ، فَكَانَ المَصَافُّ عَلَى عقبَة البقرِ بقُرْبِ قُرْطُبَة، فَيَنْهَزِمُ ابْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، وَقُتِلَ مِنَ الفِرنج ثَلاَثَةُ آلَاف، وَغَرِقَ خَلاَئِقُ، ثُمَّ ظَفِرُوا بِابْنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، فَذُبِحَ صبراً، وَقُطِعَتْ أَرْبَعَتُهُ فِي يَوْم التَّرويَة، سَنَةَ أَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وثَلاَثُوْنَ سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمَرَّ فِي المُلك المُؤَيَّدُ بِاللهِ، وَعَاث المُسْتَعِيْنُ بِالبَرْبَرِ، وَجَرَتْ أُمُورٌ طَوِيْلَة، وَحَاصَرَ قُرْطُبَةَ مُدَّةً طَوِيْلَةً إِلَى شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ، فَشَدُّوا، وَزَحَفُوا عَلَى البَلَدِ، فَأَخَذُوْهُ، وَبَذَلُوا السَّيْف وَالنَّهب وَبَعْضَ السَّبْي، وَقَتَلُوا المُؤَيَّد، فيُقَالُ: قُتِلَ بقُرْطُبَةَ نَيِّف وَعِشْرُوْنَ أَلْفاً، وَفَعَلَتْ عَسَاكِرُ المُسْتَعِيْن مَا لاَ تَفْعَلُهُ النَّصَارَى، وَاسْتوسق الأَمْرُ للمُسْتَعِيْنِ، فعسف وَجَارَ، وَأَخْرَبَ البِلاَد، وَكَانَ مِنْ قُوَّادِه القَاسِمُ وَعلِيٌّ ابْنَا حَمُّوْد بن مَيْمُوْنٍ العَلَوِيّ الإِدْرِيْسِيّ، فَقَدَّمَهُمَا عَلَى جَيْشِهِ، ثُمَّ اسْتنَاب أَحَدَهُمَا عَلَى الجَزِيْرَةِ الخَضْرَاءِ، وَالآخَرَ عَلَى سَبْتَة.

فَرَاسَلَ عَلَيٌّ مُتَوَلِّي سَبْتَة جَمَاعَةً، وَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِالخِلاَفَةِ، فَبَادَرَ إِلَيْهِ خَلْقٌ،