وَصحنَا: رَسُوْل رَسُول.
فكفُّوا عَنِ الرَّمْي، فَأُدْخِلْنَا عَلَى المَلِكِ، وَهُوَ شَابٌّ مليحُ الوَجْه عَلَى سَرِير فِضَّة، فَخدمتُه بِأَن صفقْتُ بيدَيَّ، وَانحنيتُ عَلَيْهِمَا، وَقُلْتُ: جُوْ.
فَكَانَ جَوَابه: بَاهُ.
وَأَجلسنِي، وَقرَّبنِي، وَأَخَذَ يَشْكُو مَا لَحِقَ البِلاَدَ مِنَ الخَرَاب، ثُمَّ لبس الخِلْعَةَ بَعْد تَمنُّع وَتَعَمَّمَّ لَهُ تركِيٌّ، وَطَالبتُه بِالحَلف، قَالَ: نَحْلِفُ بِالأَصْنَام وَالنَّار، وَأَنْتُم لاَ تَقْنَعُوْنَ بِذَلِكَ.
قُلْتُ: لاَ بُدَّ وَأَحجمتُ عَنْ ذكر الأُصْبُع، فَأَخْرَجَ حَدِيْدَةً قطع بِهَا أُصْبُعهُ الصُّغْرَى وَلَمْ يَكْتَرِثْ، وَعمل عَلَى يَده كَافُوْراً، وَدُفِعتْ إِليَّ وَقَالَ:
قُل لصَاحِبكَ: اكفُفْ عَنْ أَذَى الرَّعِيَّة.
فَرَجَعَ السُّلْطَانُ إِلَى خُرَاسَانَ، وَنفَّذَ إِلَيْهِ ابْنُ مَرْوَانَ صَاحِبُ ديَار بكر هديَّةً، فَرَدَّهَا وَقَالَ:
لم أَردَّهَا اسْتَقلاَلاً، وَلَكِن علمتُ أَنَّ قصدكَ المُخَالَطَةُ وَالمصَادقَةُ، وَيقبُحُ بِي أَنْ أَصَادِقَ مَنْ لاَ أَقدِرُ أَنْ أَنصُره، وَرُبَّمَا طرقَكَ عدوٌّ وَأَنَا عَلَى أَلف فرسخٍ مِنْكَ، فَلاَ أَتمكَّنُ مِنْ نُصرتك.
ثُمَّ بَلَغَ السُّلْطَانَ أَنَّ الهنودَ قَالُوا: أَخرب أَكْثَرَ بلاَدِ الهِنْد غضبُ الصَّنمِ الكَبِيْر سُومنَات عَلَى سَائِر الأَصْنَام وَمَنْ حولهَا، فعزَم عَلَى غَزْو هَذَا الوَثن، وَسَارَ يَطوِي القِفَار فِي جَيْشِهِ إِلَيْهِ، وَكَانُوا يَقُولُوْنَ: إِنَّهُ يَرزُق وَيُحيي وَيُمِيت وَيسمع وَيَعِي، يَحُجُّوْنَ إِلَيْهِ، وَيُتحِفونه بِالنَّفَائِس، وَيتغَالَوْنَ فِيْهِ كَثِيْراً، فَتَجمَّع عِنْد هَذَا الصَّنم مَالٌ يَتَجَاوَزُ الوَصْفَ، وَكَانُوا يَغسِلُونه كُلّ يَوْم بِمَاءٍ وَعَسل وَلبن، وَينقلُوْنَ إِلَيْهِ المَاءَ مِنْ نهرِ حيل مسيرَةَ شَهْر، وَثَلاَثِ مائَةٍ يَحلِقُوْنَ رُؤُوْس حُجَّاجِهِ وَلِحَاهُم، وَثَلاَثُ مائَةٍ يُغَنُّوْنَ.
فَسَارَ الجَيْشُ مِنْ غَزْنَة، وَقطعُوا مَفَازَةً صعبَةً، وَكَانُوا ثَلاَثِيْنَ أَلف فَارس وَخلقاً مِنَ الرَّجَّالَة وَالمُطَّوِّعَة، وَقَوَّى المُطَّوِّعَةَ بخَمْسِيْنَ أَلف دِيْنَار، وَأَنفقَ فِي الجَيْشِ فوقَ الكِفَايَة، وَارْتَحَلَ مِنَ المُليَا ثَانِي يَوْم الْفطر سَنَة ٤١٦، وَقَاسُوا مشَاقَّ، وَبقُوا لاَ يجدُوْنَ المَاءَ إِلاَّ بَعْد ثَلاَث غطَّاهُم فِي يَوْمٍ ضبَابٌ عَظِيْم، فَقَالَتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute