للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ الرَّئِيْسُ: قَدْ صَحَّ عِنْدِي بِالتَّواتُر مَا كَانَ بجوزجَان فِي زَمَانِنَا مِنْ أَمرِ حَدِيْدٍ - لَعَلَّهُ زنَةُ مائَة خَمْسِيْنَ مَنّاً - نزلَ مِنَ الهوَاءِ، فَنشَبَ فِي الأَرْض، ثُمَّ نَبا نَبْوَة الكُرَة، ثُمَّ عَادَ فَنشَبَ فِي الأَرْضِ، وَسُمِعَ لَهُ صَوْتٌ عَظِيْمٌ هَائِلٌ، فَلَمَّا تَفَقَّدُوا أَمره، ظَفِرُوا بِهِ، وَحُمِلَ إِلَى وَالِي جوزجَان، فَحَاولُوا كَسْرَ قِطْعَةٍ مِنْهُ، فَمَا عَمِلَتْ فِيْهِ الآلاَتُ إِلاَّ بِجَهْدٍ، فرَامُوا عَمل سَيْفٍ مِنْهُ،


= وعن الملائكة، بأمور غير مطابقة للامر في نفسه، لكنهم خاطبوهم بما يتخيلون به ويتوهمون به أن
الله جسم عظيم، وأن الابدان تعاد، وأن لهم نعيما محسوسا، وعقابا محسوسا، وإن كان الامر ليس كذلك في نفس الامر، لان من مصلحة الجمهور أن يخاطبوا بما يتوهمون به ويتخيلون أن الامر هكذا، وإن كان هذا كذبا فهو كذب لمصلحة الجمهور، إذ كانت دعوتهم ومصلحتهم لا تمكن إلا بهذه الطريق.
وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم على هذا الأصل، كالقانون الذي ذكره في رسالته الاضحوية ص ٤٤ - ٥١.
وهؤلاء يقولون: الأنبياء قصدوا بهذه الألفاظ ظواهرها، وقصدوا أن يفهم الجمهور منها هذه الظواهر، وإن كانت الظواهر في نفس الامر كذبا وباطلا ومخالفة للحق، فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة.
ثم من هؤلاء من يقول: النبي كان يعلم الحق ولكن أظهر خلافه للمصلحة.
ومنهم من يقول: ما كان يعلم الحق كما يعلمه نظار الفلاسفة وأمثالهم، وهؤلاء يفضلون الفيلسوف الكامل على النبي، ويفضلون الولي الكامل الذي له هذا المشهد على النبي، كما يفضل ابن عربي الطائي خاتم الأولياء في زعمه على الأنبياء، وكما يفضل الفارابي ومبشر بن فاتك وغيرهما الفيلسوف على النبي.
وأما الذين يقولون: إن النبي كان يعلم ذلك، فقد يقولون: إن النبي أفضل من الفيلسوف، لأنه علم ما علمه الفيلسوف وزيادة، وأمكنه أن يخاطب الجمهور بطريقة يعجز عن مثلها الفيلسوف، وابن سينا وامثاله من هؤلاء.
وهذا في الجملة قول المتفلسفة والباطنية، كالملاحدة الاسماعيلية، وأصحاب رسائل اخوان الصفا، والفارابي وابن سينا والسهروردي المقتول وأبن رشد الحفيد، وملاحدة الصوفية الخارجين عن طريقة المشايخ المتقدمين من أهل الكتاب والسنة، كابن عربي وابن سبعين وابن الطفيل صاحب رسالة حي بن يقطان.
وخلق كثير غير هؤلاء.
وقد خص شيخ الإسلام قسما كبيرا من هذا الكتاب العظيم في تتبع سقطات ابن سينا وضلالاته، وبيان ما فيها من زيف وانحراف بالحجة والبرهان على طريقة السلف الصالح من لدن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان من الأئمة والعلماء المشهود لهم بالعلم والايمان
والاستقامة والعرفان.