للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البَاجِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِي: أَنَّ الفَقِيْهَ أَبَا عِمْرَان الفَاسِيّ (١) مَضَى إِلَى مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ قرأَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ شَيْئاً، فَوَافق أَبَا ذَرٍّ فِي السَّرَاة مَوْضِع سُكنَاهُ، فَقَالَ لخَازن كُتُبه: أَخْرِجْ إِليَّ مِنْ كُتُب الشَّيْخ مَا أَنْسَخُهُ مَا دَام غَائِباً، فَإِذَا حضَر، قرأتُهُ عَلَيْهِ.

فَقَالَ الخَازنُ: لاَ أَجترِئُ عَلَى هَذَا، وَلَكِن هَذِهِ المفَاتيحُ إِنْ شِئْتَ أَنْتَ، فَخُذْ وَافْعَلْ ذَلِكَ.

فَأَخَذَهَا، وَأَخرجَ مَا أَرَادَ، فسَمِعَ أَبُو ذَر بِالسَّرَاةِ بِذَلِكَ، فَرَكِبَ، وَطرقَ مَكَّةَ وَأَخَذَ كُتُبَه، وَأَقسم أَنْ لاَ يُحَدِّثهُ.

فَلَقَدْ أُخْبِرتُ أَنَّ أَبَا عِمْرَان كَانَ بَعْدُ إِذَا حَدَّثَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ يُورِّي عَنِ اسْمه، فَيَقُوْلُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى.

وَبِذَلِكَ كَانَتِ العَرَبُ تُكَنِّيَهُ باسم وَلده (٢) .

قُلْتُ: قَدْ مَاتَ أَبُو عِمْرَانَ الفَاسِيُّ قَبْلَ أَبِي ذَرٍّ، وَكَانَ قَدْ لَقِيَ القَاضِي بن البَاقِلاَّنِيّ وَالكِبَار، وَمَا لاِنزِعَاجِ أَبِي ذَرٍّ وَجهٌ، وَالحِكَايَةُ دَالَّةٌ عَلَى زَعَارَّةِ الشَّيْخِ وَالتّلمِيذِ رحمهُمَا الله.

وَكَانَ وَلدُهُ أَبُو مَكْتُوْم يَحُجُّ مِنَ السَّرَاة، وَيَروِي إِلَى أَنْ قَدِمَ فُلاَنٌ المُرَابِطُ مِنْ أُمَرَاءِ المَغْرِب، فجَاور وَسَمِعَ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) مِنْ أَبِي مَكْتُوْم، وَأَعطَاهُ ذهباً جَيِّداً، فَأَبَاعه نُسْخَةَ (الصَّحِيْح) ، وَذهَبَ بِهَا إِلَى المَغْرِب.

وَحَجَّ أَبُو مَكْتُوْم فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَحَجَّ فِيْهَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَجَمَعَهُم الموقفُ.

فَقَالَ السَّمْعَانِيُّ لِلسِّلَفِيِّ: اذهبْ بِنَا نَسْمَعْ مِنْهُ.

قَالَ السِّلَفِيُّ: فَقُلْتُ لَهُ: دَعْنَا نشتغلْ بِالدُّعَاء، وَنجعله شَيْخَ مَكَّة.

قَالَ: فَاتَّفَقَ أَنَّهُ نَفَر مِنْ مِنَى فِي النَّفرِ الأَوَّلِ مَعَ السَّرَويِّين وَذهبَ، وَفَاتَهُمَا الأَخْذُ عَنْهُ.

قَالَ السِّلَفِيُّ: فلاَمنِي ابْنُ السَّمْعَانِيّ.

فَقُلْتُ: أَنْتَ قَدْ سَمِعْتَ (الصَّحِيْح) مثلَه


(١) تحرف في " تذكرة الحفاظ " ٣ / ١١٠٥ إلى " القابسي ".
(٢) انظر " تذكرة الحفاظ " ٣ / ١١٠٥، ١١٠٦.