ظهر بَعْد الأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، فَذَكَر عَلِيُّ بنُ أَبِي فُنُوْن قَاضِي مَرَّاكُش أَن جَوْهَراً - رَجُلاً مِنَ المرَابطين - قَدِمَ مِنَ الصّحرَاء إِلَى بلاَد المَغْرِب ليَحُجّ، - وَالصّحرَاء برِّيَة وَاسِعَة جنوبِي فَاس وَتِلْمِسَان، مُتَّصِلَةٌ بِأَرْضِ السودَان، وَيذكر لمتونَة أَنَّهم مِنْ حِمْيَر نَزلُوا فِي الجَاهِلِيَّةِ بِهَذِهِ البرَارِي، وَأَوّلُ مَا فَشَا فِيهِم الإِسْلاَم فِي حُدُوْدِ سَنَةَ أَرْبَعِ مائَة، ثُمَّ آمَنَ سَائِرُهُم، وَسَارَ إِلَيْهِم مَنْ يذكر لَهم جملاً مِنَ الشرِيعَة، فَحسُن إِسلاَمُهُم - ثُمَّ حَجَّ الفَقِيْه المَذْكُوْرُ، وَكَانَ دَيِّناً خَيراً، فَمَرَّ بفَقِيْهٍ يُقرِئ مَذْهَبَ مَالِكٍ - وَلَعَلَّهُ أَبُو عِمْرَانَ الفَاسِي (١) بِالقَيْرَوَان - فَجَالِسه وَحَجَّ، وَرجع إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا فَقِيْهُ! مَا عِنْدنَا فِي الصّحرَاء مِنَ العِلْمِ إِلاَّ الشهَادتين وَالصَّلاَة فِي بَعْضنَا.
قَالَ: خُذْ مَعَكَ مَنْ يُعَلِّمُهم الدِّيْن.
قَالَ جَوْهَر: نَعم وَعلِيَّ كَرَامَتُه.
فَقَالَ لابْنِ أَخِيْهِ: يَا عُمَر! اذهبْ مَعَ هَذَا.
فَامْتَنَعَ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ يَاسين: اذهبْ مَعَهُ.
فَأَرْسَلَه.
وَكَانَ عَالِماً قوِيّ النَفْس، فَأَتيَا لَمْتُونَةَ، فَأَخَذَ جَوْهَرٌ بزِمَامِ جملِ ابْن يَاسين تَعَظِيْماً لَهُ، فَأَقْبَلت المَشْيَخَةُ يهنِّئُونه بِالسَّلاَمَة، وَقَالُوا: مَنْ ذَا؟
قَالَ: حَامِل السُّنَّة.
فَأَكرمُوْهُ، وَفِيهم أَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ، فَذَكَر لَهم قوَاعدَ الإِسْلاَم، وَفَهَّمَهُم، فَقَالُوا: أَمَا الصَّلاَةُ وَالزَّكَاةُ فَقَرِيْبٌ، وَأَمَّا منْ قَتَلَ يُقْتَلُ، وَمنْ سَرَقَ يُقْطَعُ، وَمنْ زنَى يُجلد، فَلاَ نلتزمُه، فَاذهبْ.
فَأَخَذَ جَوْهَرٌ بزِمَام رَاحِلَتِهِ، وَمضيَا.
وَفِي تِلْكَ الصّحَارَى المُتَّصِلَة بِإِقْلِيْم السودَان قبَائِلُ يُنْسَبُوْنَ إِلَى حِمْيَر، وَيذكرُوْنَ أَنْ أَجدَادهم خَرَجُوا مِنَ اليَمَنِ زَمَن الصِّدِّيْق، فَأَتوا مِصْر، ثُمَّ غَزَوا المَغْرِب مَعَ مُوْسَى بن نُصَيْر، ثُمَّ أَحَبُّوا الصّحرَاء وَهُم: لَمْتُونَة، وَجدَّالَة، وَلمطَة، وَإِينِيصر، وَمَسُوفَة.
قَالَ: فَانْتهيَا إِلَى جدَّالَة، قبيلَةِ جَوْهَر، فَاسْتجَاب
(١) وكذا قال ابن الأثير في " الكامل " ٩ / ٦١٨، وهو خطأ لان أبا عمران الفاسي قد توفي سنة ٤٣٠ هـ، كما تقدم في ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (٣٦٤) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute