للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَعَهُ وَزِيْرُهُ نِظَامُ المُلك، فَاجتمع إِلَيْهِ أَئِمَّةُ الحَنَفِيَّة وَأَئِمَّةُ الشَّافِعِيَّة لِلشكوَى مِنَ الأَنْصَارِيّ، وَمُطَالبَتِه، بِالمُنَاظرَة، فَاسْتدَعَاهُ الوَزِيْرُ، فَلَمَّا حضَر، قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ قَدِ اجْتَمَعُوا لمنَاظرتك، فَإِنْ يَكُنِ الحَقُّ مَعَكَ؛ رَجَعُوا إِلَى مَذْهَبِكَ، وَإِنْ يَكُن الحَقُّ مَعَهم؛ رَجَعتَ أَوْ تسكتَ عَنْهُم.

فَوَثَبَ الأَنْصَارِيّ، وَقَالَ: أُنَاظِرُ عَلَى مَا فِي كُمِّي.

قَالَ: وَمَا فِي كُمِّكَ؟

قَالَ: كِتَابُ اللهِ.

- وَأَشَارَ إِلَى كُمِّهِ اليَمِين - وَسُنَّةُ رَسُوْلِ اللهِ - وَأَشَارَ إِلَى كَمّه اليَسَار - وَكَانَ فِيْهِ (الصَّحيحَان) .

فَنَظَرَ الوَزِيْرُ إِلَيْهِم مُسْتفهمَاتهم (١) ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِم مِنْ نَاظَرَهُ مِنْ هَذَا الطَّرِيْق (٢) .

وَسَمِعْتُ خَادِمَه أَحْمَد بن أَمِيْرجه يَقُوْلُ: حضَرتُ مَعَ الشَّيْخ لِلسّلاَم عَلَى الوَزِيْر نِظَام المُلك، وَكَانَ أَصْحَابُنَا كلَّفُوهُ الخُرُوجَ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ بَعْد المِحنَة وَرُجُوْعِهِ إِلَى وَطَنه مِنْ بَلْخ - يَعْنِي: أَنَّهُ كَانَ قَدْ غُرِّبَ - قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ؛ أَكرمه وَبجَّلَهُ، وَكَانَ هُنَاكَ أَئِمَّةٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَسْأَلُوْهُ بَيْنَ يَدي الوَزِيْر، فَقَالَ العَلَوِيُّ الدبوسِيّ: يَأْذنُ الشَّيْخ الإِمَامُ أَنْ أَسَأَل؟

قَالَ: سَلْ.

قَالَ: لَمْ تَلْعَن أَبَا الحَسَنِ الأَشْعَرِيَّ؟

فَسَكَتَ الشَّيْخُ، وَأَطرق الوَزِيْرُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْد سَاعَة؛ قَالَ الوَزِيْر: أَجِبْهُ.

فَقَالَ: لاَ أَعْرفُ أَبَا الحَسَنِ، وَإِنَّمَا أَلعنُ مَنْ لَمْ يَعتقد أَنَّ اللهَ فِي السَّمَاءِ، وَأَنَّ القُرْآن فِي المُصْحَف، وَيَقُوْلُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليَوْمَ لَيْسَ بِنَبِيّ.

ثُمَّ قَامَ وَانْصَرَفَ (٣) ، فَلَمْ يُمَكِّن أَحَداً أَنْ يَتَكَلَّم مِنْ هَيبته، فَقَالَ الوَزِيْر لِلسَائِل: هَذَا أَرَدْتُمْ! أَن نَسْمَع مَا كَانَ يذكرهُ بهَرَاة بآذَانِنَا، وَمَا


(١) في تذكرة الحفاظ: مستفهما لهم.
(٢) " تذكرة الحفاظ " ٣ / ١١٨٧.
(٣) في حاشية الأصل ما نصه: الذي يصف الله سبحانه وتعالى بصفات المحدثين من التحيز ونحوه أحق باللعن من الأشعري، والله يعفو عن الجميع.