للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هلك المُعْتَضِدُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

وَخلفه الْمُعْتَمد صَاحِب التَّرْجَمَة، فَكَانَ فَارِساً شُجَاعاً، عَالِماً أَديباً، ذكيّاً شَاعِراً، مُحسناً جَوَاداً مُمَدَّحاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، خَيْراً مِنْ أَبِيْهِ.

كَانَ أَندَى المُلُوْك رَاحَةً، وَأَرحبهُم سَاحَةً، كَانَ بَابُه مَحطَّ الرِّحَال، وَكعبَةَ الآمَال (١) .

قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ اللَّبَّانَة الشَّاعِر (٢) :مَلَكَ المُعْتَمِدُ مِنْ مُسوَّرَات البِلاَد مائَتَيْ مُسور، وَوُلد لَهُ مائَةٌ وَثَلاَثَة وَسَبْعُوْنَ وَلداً، وَكَانَ لِمَطْبَخه فِي اليَوْمِ ثَمَانِيَةُ قنَاطير لحم، وَكُتَّابُه ثَمَانِيَةَ عشرَ.

قَالَ ابْنُ خَلِّكَان (٣) :كَانَ الأَذْفونش (٤) قَدْ قوِيَ أَمرُه، وَكَانَتِ المُلُوْكُ بِالأَنْدَلُسِ يُصَالِحونه، وَيَحْمِلُوْنَ إِلَيْهِ ضَرَائِبَ، وَأَخَذَ طُليطلَة (٥) فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ بَعْدَ حِصَارٍ شَدِيد، مِنَ القَادِر بنِ ذِي النُّوْنِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ وَهْنٍ دَخَلَ مِنَ الفِرَنْج عَلَى المُسْلِمِين، وَكَانَ المُعْتَمِدُ يُؤَدِّي إِلَيْهِ، فَلَمَّا تَمَكَّنَ، لَمْ يَقبلِ الضَّرِيبَةَ، وَتَهدَّدَه، وَطلب مِنْهُ أَنْ يُسَلِّم حُصُوْناً، فَضَرَبَ الرَّسُولَ، وَقَتَلَ مَنْ مَعَهُ، فَتحرَّك اللَّعينُ، وَاجتمع العُلَمَاءُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يُكَاتِبُوا الأَمِيْرَ أَبَا يَعْقُوْب بن تَاشفِيْن صَاحِبَ مَرَّاكُش لِيُنْجِدَهُم، فَعَبَرَ ابْنُ تَاشفِيْن بِجيوشه إِلَى الجَزِيْرَة، ثُمَّ اجْتَمَع بِالمُعْتَمِد، وَأَقْبَلت المُطَّوِّعَةُ مِنَ النَّوَاحِي،


(١) ذكره ابن خلكان بأطول مما هنا: ٥ / ٢٤، نقلا عن أبي الحسن علي بن القطاع السعدي في كتابه " لمح الملح ".
(٢) ستأتي ترجمته في هذا الجزء برقم (٢١٥) .
(٣) في وفيات الأعيان: ٥ / ٢٨ - ٣٠.
(٤) أي ملك الفرنج فرذلند.
(٥) قال السمعاني: بضم الطاء المهملة، وفتح اللام، وسكون الياء، وكسر الطاء الأخرى، وقال ياقوت: ضبطه الحميدي بضم الطائين وفتح اللام، وأكثر ما سمعناه من المغاربة بضم الأولى وفتح الثانية.