(٢) وحين صح العزم من المسلمين على مناهضة أعدائهم، واسترداد ما سلب منهم، اطرحوا الخلافات التي بينهم، ووحدوا كلمتهم، واتجهوا إلى الله بقلب سليم، واستنزلوا النصر منه، وقاتلوا في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص بالقوى المتاحة لهم، حين فعلوا ذلك كله، حقق الله لهم النصر على أعدائهم، ومنحهم أكتافهم، وتم فتح بيت المقدس على أيديهم سنة ٥٨٣ هـ بقيادة السلطان المسلم صلاح الدين الأيوبي. وقد كان لتسامح المجاهدين وعلى رأسهم صلاح الدين، وأخلاقهم الفاضلة عندما فتحوا بين المقدس أثر كبير في نفوس أعدائهم، فقد امتدحهم مؤرخوهم، وأثنوا عليهم ثناء طيبا، فها هو رنسمان يقول: الواقع أن المسلمين الظافرين اشتهروا بالاستقامة والانسانية، فبينما كان الفرنج منذ ثمان وثمانين سنة يخوضون دماء ضحاياهم، لم تتعرض الآن دار من الدور للنهب، ولم يحل بأحد من الاشخاص مكروه، إذ صار رجال الشرطة بناء على أمر صلاح الدين يطوفون الشوارع والابواب، يمنعون كل اعتداء يقع على المسيحيين. ملكنا فكان العفو منا سجية * فلما ملكتم سال بالدم أبطح والمقلب في صفحات التاريخ يلاحظ أن سنة الله في عباده المسلمين لا تتبدل ولا تتغير، فهم حين يتناسون الخلاف فيما بينهم، وينضوون تحت راية الإسلام، ويرتضونه دينا يهيمن على شؤون حياتهم، ويرخصون أنفسهم في سبيل الله، ويأخذون أنفسهم بسنن الله، فإنهم يحققون انتصارات باهرة على أعدائهم، ويستخلفهم الله في الأرض، ويمكن لهم دينهم، =