للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اشْتَرَى أَرْضهَا بِمَاله الَّذِي خَرَجَ بِهِ مِنْ صحرَاء السُّودَان، وَلَهُ جبلُ الثَّلج، وَكثرت جيوشُه، وَخَافته المُلُوْكُ، وَكَانَ بَربرِيّاً قُحّاً، وَثَارَتِ الفِرَنْجُ بِالأَنْدَلُسِ، فَعَبَرَ ابْنُ تَاشفِيْن يُنْجِدُ الإِسْلاَمَ، فَطحن العَدُوَّ (١) ، ثُمَّ أَعْجَبته الأَنْدَلُسُ، فَاسْتولَى عَلَيْهَا، وَأَخَذَ ابْنَ عَبَّادٍ وَسَجَنَهُ، وَأَسَاءَ العِشْرَةَ.

وَقِيْلَ: كَانَ ابْنُ تَاشفِيْن كَثِيْرَ الْعَفو، مُقَرّباً لِلْعُلَمَاءِ، وَكَانَ أَسْمَرَ نَحِيْفاً، خفِيفَ اللِّحْيَة، دقيقَ الصَّوْت، سَائِساً، حَازِماً، يَخطُبُ لِخَلِيْفَة العِرَاق، وَفِيْهِ بُخْلُ البَرْبَرِ، تَمَلَّكَ بِضْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَهُوَ وَجَيْشُهُ مُلاَزِمُوْنَ لِلِّثَامِ الضَّيِّقِ، وَفِيْهِم شَجَاعَة وَعُتُوٌّ وَعَسْفٌ، جَاءته الخِلَعُ مِنَ المُسْتَظْهِرِ (٢) ،


(١) في وقعة الزلاقة (بطحاء من إقليم بطليوس من غرب الأندلس) المشهورة التي انكسر فيها جيش الفرنجة الكفرة الزاحف من طليطلة كسرة شديدة سنة ٤٧٩ هـ انظر التفصيل في " الروض المعطار ": ٢٨٧ - ٢٩٢، و" نفح الطيب ": ٤ / ٣٥٤ - ٣٧١، والكامل لابن الأثير: ١٠ / ١٥١ - ١٥٥، ووفيات العيان: ٧ / ١١٥، وما بعدها، وقد بايع يوسف ابن تاشفين بعد انتهاء الوقعة من شهدها معه من ملوك الأندلس وأمرائها، وكانوا ثلاثة عشر ملكا، فسلموا عليه بأمير المسلمين، وكان يدعى بالامير، وضرب السكة من يومئذ وجددها، ونقش ديناره: " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وتحت ذلك: " أمير المسلمين يوسف بن تاشفين " وكتب في الدائرة: " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في
الآخرة من الخاسرين " وكتب على الوجه الآخر من الدينار: الأمير عبد الله، أمير المؤمنين العباسي، وفي الدائرة تاريخ ضرب الدينار وموضع سكه.
(٢) ووصف ابن الأثير في الكامل: ١٠ / ٤١٧ يوسف بن تاشفين بأنه كان حليما كريما، دينا خيرا، يحب أهل العلم والدين، ويحكمهم في بلاده، ويبالغ في إكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم، وكان إذا وعظه أحدهم، خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبه لها، وظهر ذلك عليه، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام، فمن ذلك أن ثلاثة نفر اجتمعوا، فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها، وتمنى الآخر عملا يعمل فيه لامير المسلمين، وتمنى الآخر زوجته النفزاوية وكانت من أحسن النساء، ولها الحكم في بلاده، فبلغه الخبر، فأحضرهم، وأعطى متمني المال ألف دينار، واستعمل الآخر، وقال للذي تمنى زوجته: يا جاهل، ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه؟ ثم أرسله إليها، فتركته في خيمة ثلاثة أيام، تحمل إليه كل يوم طعاما واحدا، ثم أحضرته، وقالت له: ما أكلت هذه =