للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(الأَرْبَعِيْنَ) ، وَكِتَاب (القِسطَاس) ، وَكِتَاب (مَحكّ النَّظَر) .

وَرَاض نَفْسَه وَجَاهدهَا، وَطرد شيطَانَ الرُّعونَة، وَلَبِسَ زِيَّ الأَتقيَاء، ثُمَّ بَعْدَ سَنَوَاتٍ سَارَ إِلَى وَطنه، لاَزماً لِسَنَنه، حَافِظاً لِوَقْتِهِ، مكباً عَلَى العِلْم.

وَلَمَّا وَزَرَ فَخرُ المُلك، حضَر أَبَا حَامِد، وَالتمس مِنْهُ أَنْ لاَ يُبقِيَ أَنفَاسَه عقيمَة، وَأَلحَّ عَلَى الشَّيْخ، إِلَى أَنْ لاَن إِلَى الْقدوم إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَدرَّس بِنظَامِيتهَا.

فَذكر هَذَا وَأَضعَافَه عَبْد الغَافِرِ فِي (السِّيَاق) ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:

وَلَقَدْ زرتُه مرَاراً، وَمَا كُنْت أَحْدُسُ فِي نَفْسِي مَعَ مَا عَهِدْتُه عَلَيْهِ مِنَ الزَّعَارَّة (١) وَالنَّظَر إِلَى النَّاسِ بعينِ الاسْتخفَاف كِبراً وَخُيَلاَءَ، وَاعتزَازاً بِمَا رُزِقَ مِنَ البسطَة، وَالنُّطق، وَالذِّهن، وَطلب الْعُلُوّ؛ أَنَّهُ صَارَ عَلَى الضِّدِّ، وَتَصفَّى عَنْ تِلْكَ الكُدورَات، وَكُنْتُ أَظنُّه متلفعاً بجلبَاب التَّكلُّف، مُتنمِّساً بِمَا صَارَ إِلَيْهِ، فَتحقَّقت بَعْد السَّبْرِ وَالتَّنْقِيْرِ أَنَّ الأَمْر عَلَى خِلاَف المَظنُوْنِ، وَأَنَّ الرَّجُل أَفَاق بَعْدَ الجُنُوْنِ، وَحَكَى لَنَا فِي لَيَالٍ كَيْفِيَةَ أَحْوَالِه مِنِ ابْتدَاء مَا أُظْهِرَ لَهُ طَرِيْق التَأَلُّه، وَغلبَة الحَال عَلَيْهِ بَعْد تَبحُّرِه فِي العُلُوْم، وَاسْتطَالتِهِ عَلَى الكُلّ بكلاَمه، وَالاستعدَادِ الَّذِي خصَّه الله بِهِ فِي تَحْصِيل أَنْوَاعِ العُلُوْم، وَتَمكُّنه مِنَ الْبَحْث وَالنَّظَر، حَتَّى تَبرَّم بِالاشتغَال بِالعُلُوْم العَرِيَّة عَنِ المعَامَلَة، وَتَفكَّر فِي العَاقبَة، وَمَا يَبْقَى فِي الآخِرَةِ، فَابْتدَأَ بصُحبَة الشَّيْخ أَبِي عَلِيٍّ الفَارْمَذِي (٢) ، فَأَخَذَ مِنْهُ اسْتفتَاحَ الطّرِيقَة، وَامتثل مَا كَانَ يَأْمُرُه بِهِ مِنَ


(١) الزعارة بتشديد الراء مثل حمارة الصيف، وبتخفيف الراء عن اللحياني، أي:؟ راسة وسوء خلق لا يتصرف منه فعل.
(٢) نسبة إلى فارمذ: قرية من قرى طوس، قال السمعاني في " الأنساب ": ٩ / ٢١٨، ٢١٩: والمشهور بالنسبة إليها أبو علي الفضل بن محمد بن علي الفارمذي لسان =