قِرَاءة هَذَا الكِتَاب سِوَى نُبَذٍ مِنْهُ، فَإِنْ نَفَّسَ اللهُ فِي العُمُرِ، مَدَدتُ فِيْهِ الأَنفَاس، وَأَزلتُ عَنِ الْقُلُوب الالْتِبَاس: اعْلمُوا أَنَّ هَذَا رَأَيْتُ تَلاَمِذَتَهُ، فُكُلٌّ مِنْهُم حَكَى لِي نوعاً مِنْ حَالِهِ مَا قَامَ مقَام العِيَانِ، فَأَنَا أَقتصرُ عَلَى ذكر حَاله، وَحَالِ كِتَابِهِ، وَذِكْرِ جُمَلٍ مِنْ مَذَاهِب الموحِّدين وَالمتصَوِّفَة، وَأَصْحَابِ الإِشَارَات، وَالفَلاَسِفَة، فَإِنَّ كِتَابهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ هَذِهِ الطّرَائِق.
ثُمَّ إِنَّ المَازرِي أَثْنَى عَلَى أَبِي حَامِد فِي الفِقْه، وَقَالَ: هُوَ بِالفِقْه أَعْرفُ مِنْهُ بِأُصُوْله، وَأَمَّا عِلْمُ الكَلاَم الَّذِي هُوَ أُصُوْلُ الدّين، فَإِنَّهُ صَنَّف فِيْهِ، وَلَيْسَ بِالمتبحر فِيْهَا، وَلَقَدْ فَطِنْتُ لِعدم اسْتبحَاره فِيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَرَأَ عُلُوْمَ الفَلْسَفَة قَبْل اسْتبحَاره فِي فَن الأُصُوْل، فَأَكسبته الفَلْسَفَة جُرْأَةً عَلَى المَعَانِي، وَتسهُّلاً لِلْهجوم عَلَى الحقَائِق، لأَنْ الفَلاَسِفَة تَمرُّ مَعَ خَوَاطِرِهَا، لاَ يَزَعُهَا شَرْعٌ، وَعَرَّفنِي صَاحِب لَهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عُكُوفٌ عَلَى (رَسَائِل إِخْوَان الصَّفَا) ، وَهِيَ إِحْدَى وَخَمْسُوْنَ رِسَالَةً، أَلَّفهَا مَنْ قَدْ خَاض فِي علم الشَّرع وَالنَّقل، وَفِي الحِكْمَة، فَمزج بَيْنَ الْعلمين، وَقَدْ كَانَ رَجُل يُعْرَفُ بِابْنِ سِينَا ملأَ الدُّنْيَا تَصَانِيْفَ، أَدَّتْهُ قُوَّتُهُ فِي الفَلْسَفَة إِلَى أَنْ حَاول ردَّ أُصُوْلِ العقَائِد إِلَى علم الفَلْسَفَة، وَتلطَّفَ جُهْدَهُ، حَتَّى تَمَّ لَهُ مَا لَمْ يَتُم لغَيْره، وَقَدْ رَأَيْتُ جُمَلاً مِنْ دَوَاوِيْنه، وَوجدتُ أَبَا حَامِد يُعَوِّلُ عَلَيْهِ فِي أَكْثَر مَا يُشيرُ إِلَيْهِ مِنْ عُلُوْم الفَلْسَفَة.
وَأَمَّا مَذَاهِبُ الصُّوْفِيَّة، فَلاَ أَدْرِي عَلَى مَنْ عوَّل فِيْهَا، لَكِنِّي رَأَيْتُ فِيمَا عَلَّق بَعْضُ أَصْحَابه أَنَّهُ ذكر كُتُبَ ابْنِ سينَا وَمَا فِيْهَا، وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ كُتبَ أَبِي حَيَّانَ التَّوحيدي، وَعِنْدِي أَنَّهُ عَلَيْهِ عوَّل فِي مَذْهَب التَّصَوُّف، وَأُخْبِرْتُ أَنَّ أَبَا حَيَّان أَلَّف دِيْوَاناً عَظِيْماً فِي هَذَا الفنّ، وَفِي (الإِحيَاء) مِنَ الوَاهيَات كَثِيْر.
قَالَ: وَعَادَةُ المتورِّعين أَنْ لاَ يَقولُوا: قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِيمَا لَمْ يثبت عِنْدَهُم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute