قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: كُنْت يَوْماً أَقرَأُ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ الحَبَّالِ جُزْءاً، فَجَاءنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِي، وَأَسَرَّ إِلَيَّ كَلاَماً قَالَ فِيْهِ: إِن أَخَاك قَدْ وَصل مِنَ الشَّام، وَذَلِكَ بَعْدَ دُخُوْل التّرْك بَيْتَ المَقْدِسِ، وَقتلَ النَّاس بِهَا، فَأَخَذتُ فِي القِرَاءةِ، فَاختلطت عليَّ السُّطورُ، وَلَمْ يُمكنِي أَقرَأُ، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: مَا لَكَ؟
قُلْتُ: خَيْر.
قَالَ: لاَ بُدَّ أَنْ تُخبرنِي، فَأَخْبَرتُه.
فَقَالَ: وَكم لَكَ لَمْ تَرَ أَخَاك؟
قُلْتُ: سِنِيْنَ.
قَالَ: وَلِمَ لاَ تَذْهَبُ إِلَيْهِ؟
قُلْتُ: حَتَّى أُتِمَّ الجُزْء.
قَالَ: مَا أَعْظَم حرصَكم يَا أَهْلَ الحَدِيْث، قَدْ تَمَّ المَجْلِس، وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّدٍ، وَانْصَرَفَ.
وَأَقَمْتُ بِتنِّيسَ مُدَّةً عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الحَدَّادِ وَنُظَرَائِهِ، فَضَاق بِي، فَلَمْ يَبْقَ مَعِي غَيْرُ دِرْهَمٍ، وَكُنْت أَحتَاج إِلَى حبرٍ وَكَاغَدَ، فَترددت فِي صرفه فِي الحَبْر أَوِ الكَاغد أَوِ الْخبز، وَمَضَى عَلَى هَذَا ثَلاَثَةُ أَيَّام لَمْ أَطْعَمْ فِيْهَا، فَلَمَّا كَانَ بكرَةَ اليَوْم الرَّابع، قُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ لِي اليَوْم كَاغَدَ، لَمْ يُمكنِي أَنْ أَكْتُب مِنَ الجُوع، فَجَعَلت الدِّرْهَم فِي فَمِي، وَخَرَجتُ لأَشْتَرِي خُبزاً، فَبلعتُهُ، وَوَقَعَ عليّ الضَّحكُ، فَلقينِي صَدِيْقٌ وَأَنَا أَضحك، فَقَالَ: مَا أَضحكك؟
فَأَلَحَّ عَلِيَّ، وَأَبِيْتُ أَنْ أُخْبِرَهُ، فَحَلَفَ بِالطَّلاَق لَتَصْدُقَنِّي، فَأَخْبَرتُهُ، فَأَدخلنِي مَنْزِلَه، وَتَكَلَّفَ أَطعمَةً، فَلَمَّا خَرَجْنَا لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، اجْتَمَع بِهِ بَعْضُ وُكلاَء عَامِل تِنِّيس ابْن قَادوس، فَسَأَلَهُ عَنِّي، فَقَالَ: هُوَ هَذَا، قَالَ: إِنَّ صَاحِبِي مُنْذُ شَهرٍ أَمر بِي أَنْ أُوصِلَ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَةَ دَرَاهمَ قِيمتُهَا ربعُ دِيْنَار، وَسهوتُ عَنْهُ، فَأَخَذَ مِنْهُ ثَلاَث مائَة، وَجَاءَ بِهَا.
وَقَالَ: وَكُنْت بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ القَائِم بِأَمر الله، وَبُوْيِع لِلمقتدي بِأَمر الله، فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّة اليَوْم، دخلنَا عَلَى أَبِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute