للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِي سَنَةِ تِسْع كَانَ أَوّل ظُهُوْرِ الفِرَنْج بِالشَّامِ قَدِمُوا فِي بَحرِ القُسْطَنْطِيْنِيَّة فِي جَمعٍ كَثِيْر، وَانزعجتِ المُلُوْكُ، وَعَظُمَ الخطبُ، لاَ سِيَّمَا ابْن قُتُلمش صَاحِبُ الرُّوْمِ، فَالتقَاهُم، فَطَحَنُوهُ.

وَأَمَّا ابْنُ الأَثِيْرِ (١) ، فَقَالَ: ابْتِدَاءُ دَوْلَتِهِم فِي سَنَةِ (٤٧٨) ، فَأَخذُوا طُلَيْطُلَة وَغَيْرهَا، ثُمَّ صَقِلِّيَّة، وَأَخَذُوا بَعْض أَفْرِيْقِيَة، وَجَمَعَ ملكهُم بَغْدَوِين جَمعاً، وَبَعَثَ يَقُوْلُ لرُجَّار صَاحِب صَقِلِّيَّة: أَنَا وَاصِلٌ إِلَيْك لِنَفتَحَ أَفْرِيْقِيَة، فَبَعَثَ يَقُوْلُ: الأَوْلَى فَتْحُ القُدْس، فَقَصَدُوا الشَّام.

وَقِيْلَ: إِنَّ صَاحِبَ مِصْر لَمَّا رَأَى قُوَّةَ آلِ سَلْجُوق وَاسْتيلاَءهُم عَلَى المَمَالِك، كَاتَبَ الفِرَنْجَ، فَمرُوا بَسِيس، وَنَازلُوا أَنطَاكيَة، فَخَافَ صَاحِبُهَا يَاغِي بَسَان (٢) ، فَأَخْرَجَ النَّصَارَى إِلَى الخَنْدَق وَحبسهُم بِهِ، فَدَام حصَارُهَا تِسْعَةَ أَشهر، وَفنِيَ الفِرَنْجُ قتلاً وَمَوتاً، ثُمَّ إِنَّهُم عَاملُوا الزَرَّاد المقدَّم، وَبَذلُوا لَهُ مَالاً، فَكَاشرَ لَهُم عَنْ بدنه (٣) ، فَفَتحُوا شُبَّاكاً، وَطلعُوا مِنْهُ خَمْس مائَة فِي اللَّيْلِ، فَفَتح يَاغِي بَسَان، وَهَرَبَ، وَاسْتُبيح الْبَلَد - فَإِنَّا للهِ - فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، وَسَقَطَت قوَة يَاغِي بَسَان أَسفاً، وَانْهَزَم غِلمَانه، فَذَبَحَه حَطَّاب أَرْمَنِيّ (٤) .

ثُمَّ أَخَذُوا المَعَرَّةَ، فَقَتَلُوا وَسَبَوْا، وَتَجَمَّعتْ عَسَاكِرُ المَوْصِلِ وَغَيْرُهَا، فَالتَقَوْا، فَانْهَزَم المُسْلِمُوْنَ، وَاسْتُشْهِدَ أُلوفٌ،


(١) ١٠ / ١٤٢.
(٢) في " الكامل ": ١٠ / ٢٧٤: باغي سيان.
(٣) في كامل ابن الأثير: ١٠ / ٢٧٤: فلما طال مقام الفرنج على أنطاكية، راسلوا أحد المستحفظين للابراج، وهو زراد يعرف بروزبه، وبذلوا له مالا وأقطاعا، وكان يتولى حفظ برج يلي الوادي، وهو مبني على شباك في الوادي، فلما تقرر الامر بينهم وبين هذا الملعون الزراد، جاؤوا إلى الشباك ففتحوه.
(٤) انظر " الكامل ": ١٠ / ٢٧٢ - ٢٧٥ لابن الأثير.