للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَامَ فِي المُلك بَعْد أَبِيْهِ، وَخلعَ عَلَى قُوَّاده وَعَدَلَ، وَافتَتَحَ حُصُوْناً مَا قَدَرَ أَبُوْهُ عَلَيْهَا، وَكَانَ عَالِماً، كَثِيْرَ المُطَالَعَةِ، جَوَاداً مُمَدَّحاً، مُقرِّباً لِلْعُلَمَاء، وَفِيْهِ يَقُوْلُ أَبُو الصَّلْتِ أُمَيَّةُ الشَّاعِر (١) :

فَارْغَبْ بِنَفْسِكَ إِلاَّ عَنْ نَدَى وَوَغَى ... فَالمَجْدُ أَجْمَعُ بَيْنَ البَأْسِ وَالجُودِ

كَدَأْبِ يَحْيَى الَّذِي أَحْيَتْ مَوَاهِبُهُ ... مَيْتَ الرَّجَاءِ بِإِنْجَازِ المَوَاعِيدِ

مُعْطِي الصَّوَارِمِ وَالهِيْفِ النَّوَاعمِ وَالـ ... ـجُرْدِ الصُّلاَدِمِ وَالبُزْلِ الجَلاَمِيدِ (٢)

إِذَا بَدَا بِسَرِيرِ المُلْكِ مُحْتَبِياً ... رَأَيْتَ يُوْسُفَ فِي مِحْرَابِ دَاوُدِ (٣)

مَاتَ يَحْيَى: يَوْم النَّحْر فَجْأَةً، فَكَانَ مَوْتُهُ وَسطَ النَّهَار، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَة، فَكَانَتْ دَوْلَتُهُ ثَمَانِيَ سِنِيْنَ، وَخلَّف لِصُلبِه ثَلاَثِيْنَ ابْناً، فَتَمَلَّك مِنْهُم ابْنُهُ عليّ، فَقَامَ سِتَّةَ أَعْوَام، وَمَاتَ فَملَّكُوا وَلده الحَسَنَ بن عَلِيٍّ صَبِيّاً مُرَاهِقاً،


= المختصر: ٢ / ٣٩، عيون التواريخ: ١٣ / ٣١١ - ٣١٣، مرآة الجنان: ٣ / ١٩٨، البداية: ١٢ / ١٧٩، ابن خلدون: ٦ / ١٠٦، شذرات الذهب: ٤ / ٢٦.
(١) هو أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي الداني المتوفى سنة ٥٢٩ هـ سترد ترجمته برقم (٣٧٥) من هذا الجزء.
(٢) الجرد: جمع أجرد، يقال: فرس أجرد: إذا كان قصير الشعر، وقد جرد وانجرد وكذلك غيره من الحيوان، وذلك من علامات العتق والكرم، والصلادم: الشديد، والبزل: جمع البازل وهو البعير الذي فطر نابه، أي انشق، وذلك حين يبلغ التاسعة أو الثامنة، والجلاميد: الابل القوية، وفي الوفيات: الجلاعيد.
(٣) الابيات في " الوفيات ": ٦ / ٢١٤، وزاد الابيات التالية:
من أسرة تخذوا الماذي لبسهم * واستوطنوا صهوات الضمر القود
محسدون على أن لا نظير لهم * وهل رأيت عظيما غير محسود
وإن تكن جمعتكم أسرة كرمت * فليس في كل عود نفحة العود
أقول للراكب المزجي مطيته * يطوي بها الأرض من بيد إلى بيد
لا تترك الماء عدا في مشارعه * وتطلب الري من صم الجلاميد
هذي موارد يحيى غير ناضبة * وذا الطريق إليها غير مسدود
حكم سيوفك فيما أنت طالبه * فللسيوف قضاء غير مردود