وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ طُغْتِكِين شَهْماً عَادِلاً، حَزِنَ عَلَيْهِ أَهْلُ دِمَشْقَ، فَلَمْ تَبق محلَةٌ وَلاَ سُوْق إِلاَّ وَالمَأْتَمُ قَائِمٌ فِيْهِ عَلَيْهِ لِعَدله، وَحُسْنِ سيرَته، حكم عَلَى الشَّامِ خَمْساً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَسَارَ ابْنُهُ بِسِيرَتِهِ مُديدَة، ثُمَّ تَغَيَّرَ وَظَلَم.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ طُغْتِكِين سَيْفاً مسلَوْلاً عَلَى الفِرَنْج، وَلَكِن لَهُ خَرْمَةٌ كَانَ قَدِ اسْتفحل البَلاَءُ بدَاعِي الإِسْمَاعِيْليَّة بَهْرَامَ بِالشَّامِ، وَكَانَ يَطُوْفُ المَدَائِن وَالقِلاع متخفِياً، وَيُغوِي الأَغتَام وَالشُّطَار، وَيَنْقَادُ لَهُ الجُهَّال، إِلَى أَنْ ظَهَرَ بِدِمَشْقَ بتقرِير قرَّره صَاحِبُ مَاردين إِيلغَازِي مَعَ طُغْتِكِين، فَأَخَذَ يُكرمه، وَيُبَالغ اتِّقَاءً لِشرِّه، فَتبعه الغَوْغَاءُ، وَالسُّفَهَاء، وَالفلاَحُوْنَ، وَكَثُرُوا، وَوَافقه الوَزِيْرُ طَاهِر المزدقَانِي، وَبثَّ إِلَيْهِ سِرَّه، ثُمَّ الْتمس مِنَ الْملك طُغْتِكِين قَلْعَةً يَحتمِي بِهَا، فَأَعْطَاهُ بَانِيَاس فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (١) ، فَعَظُمَ الخطبُ، وَتَوَجَّعَ أَهْلُ الخَيْر، وَتَسَتَّرُوا مِنْ سَبِّهِم، وَكَانُوا قَدْ قتلُوا عِدَّةً مِنَ الكِبَارِ، فَمَا قَصَّر تَاجُ المُلُوْك فَقتل الوَزِيْرَ كَمَالَ الدّين طَاهِر بن سَعْدٍ المَذْكُور فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ بِالقَلْعَة، وَنصبَ رَأْسَه، وَركب جندُهُ، فَوضعُوا السَّيْفَ بِدِمَشْقَ فِي الملاَحدَة الإِسْمَاعِيْليَّة، فَسبَّكُوا مِنْهُم فِي الحَال نَحْواً مِنْ سِتَّة آلاَف نَفْسٍ فِي الطُّرقَات، وَكَانُوا قَدْ تَظَاهِرُوا، وَتَفَاقم أَمرُهُم، وَرَاح فِي هَذِهِ الكَائِنَة الصَّالِحُ بِالطَّالح.
وَأَمَّا بَهْرَامُ، فَتَمَرَّدَ وَعَتَا، وَقَتَلَ شَابّاً مِنْ أَهْلِ وَادِي التَّيْم اسْمه برْق، فَقَامَ عَشِيْرَتُهُ، وَتَحَالفُوا عَلَى أَخَذَ الثَّأْر، فَحَارَبَهُم بَهْرَامُ، فَكَبَسُوهُ
(١) انظر " الكامل في التاريخ ": ١٠ / ٦٣٢، ٦٣٣، ٦٣٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute