للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَعْنَاقِهِم مُثْخَناً، فَقَالَ لَهُم البَشِيْر: إِنَّهُ لاَ يَموتُ حَتَّى تُفتح البِلاَد.

ثُمَّ بَعْدَ مُدَّة، فَتح عينِيه، وَسلَّم، فَلَمَّا أَتَوْا، عَزَّاهُم ابْن تُوْمرت، وَقَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمٍ، وَكَذَلِكَ حربُ الرُّسل.

وَقَالَ عبدُ الوَاحِد المَرَّاكُشِي (١) :سَمِعَ ابْنَ تُوْمرت بِبَغْدَادَ مِنَ المُبَارَك بن الطُّيُورِي، وَأَخَذَ الأُصُوْلَ عَنِ الشَّاشِيّ، وَنَفَاهُ مِنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ أَمِيْرُهَا، فَبَلَغَنِي أَنَّهُ اسْتمرَّ يُنكر فِي الْمركب، فَأَلْقَوْهُ، فَأَقَامَ نِصْفَ يَوْم يَعوم، فَأَنْزَلُوا مَنْ أَطلعه، وَاحتَرَمُوْهُ، فَنَزَلَ بِبِجَايَة، فَدرَّس وَوعظ، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ، فَخَافَ صَاحِبُهَا، وَأَخْرَجه، وَكَانَ بارعاً فِي خطِّ الرَّمل.

وَقِيْلَ: وَقَعَ بِالجفر، وَصَادف عبدَ المُؤْمِن، ثُمَّ لقيهُمَا عبدُ الوَاحِد الشَّرْقِيّ، فَسَارُوا إِلَى أَقْصَى المَغْرِب.

وَقِيْلَ: لقِيَ عبدَ المُؤْمِن يُؤدِّب بِأَرْضِ متيّجَة، وَرَأَى عبدَ المُؤْمِن أَنَّهُ يَأْكُلُ مَعَ الْملك عَلِيٍّ بن تَاشفِيْن، وَأَنَّهُ زَادَ عَلَى أَكله، ثُمَّ اخْتطف مِنْهُ الصّحفَةَ، فَقَالَ لَهُ العَابر: لاَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُوْن هَذِهِ الرُّؤيَا لَكَ، بَلْ لِمَنْ يَثُوْرُ عَلَى أَمِيْرِ المُسْلِمِين إِلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى بلاَده.

وَكَانَ ابْنُ تُوْمرت طَوِيْلَ الصَّمْت، دَائِمَ الِانْقِبَاض، لَهُ هَيْبَةٌ فِي النُّفُوْس، قِيْلَ لَهُ مرَّة: فُلاَن مسجُوْنٌ، فَأَتَى الحَبْسَ، فَابْتدر السجَانُوْنَ يَتمسَّحُوْنَ بِهِ، فَنَادَى: فُلاَن، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: اخْرج، فَخَرَجَ، وَالسَّجَّانُوْنَ باهتُوْنَ، فَذَهَبَ بِهِ، وَكَانَ لاَ يَتعذر عَلَيْهِ أَمرٌ، وَانفصل، عَنْ تِلمسَان وَقَدِ اسْتحوذ عَلَى قلوبِ كُبرَائِهَا، فَأَتَى فَاس، وَأَخَذَ فِي الأَمْر بِالمَعْرُوف.


(١) في " المعجب ": ص: ٢٤٦ - ٢٥٥.