للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عِنْد المَازَرِيِّ، فَأَقْبَل عَلَى تَعلُّمِ الطِّبِّ، حَتَّى فَاق فِيْهِ، وَكَانَ مِمَّنْ يُفْتِي فِيْهِ، كَمَا يُفْتِي فِي الفِقْهِ.

وَقَالَ القَاضِي عِيَاضٌ فِي (المَدَارِكِ (١)) : المَازَرِيُّ يُعرَفُ بِالإِمَامِ، نَزِيْلُ المَهْدِيَّةِ، قِيْلَ: إِنَّهُ رَأَى رُؤْيَا، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَحقٌّ مَا يَدعُوْنَنِي بِهِ؟ إِنَّهُم يَدعُوْنَنِي بِالإِمَامِ.

فَقَالَ: وَسِّعْ صَدْرَكَ لِلْفُتْيَا (٢) .

ثُمَّ قَالَ: هُوَ آخِرُ المُتَكَلِّمِينَ مِنْ شُيُوْخِ إِفْرِيْقِيَةَ بِتَحْقِيْقِ الفِقْهِ، وَرُتبَةِ الاجْتِهَادِ، وَدِقَّةِ النَّظَرِ، أَخَذَ عَنِ: اللَّخْمِيِّ (٣) ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الحَمِيْدِ (٤) السُّوْسِيِّ، وَغَيْرِهِمَا بِإِفْرِيْقِيَةَ، وَدرَّسَ أُصُوْلَ الفِقْهِ وَالدِّينِ، وَتَقدَّمَ فِي ذَلِكَ، فَجَاءَ سَابقاً، لَمْ يَكُنْ فِي عَصرِه لِلمَالِكيَّةِ فِي أَقطَارِ الأَرْضِ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَلاَ أَقوَمُ بِمَذْهَبِهِم، سَمِعَ الحَدِيْثَ، وَطَالعَ مَعَانِيهِ، وَاطَّلعَ عَلَى عُلُوْمٍ كَثِيْرَةٍ مِنَ الطِّبِّ وَالحسَابِ وَالآدَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَانَ أَحَدَ رِجَالِ الكَمَالِ، وَإِلَيهِ كَانَ يُفزَعُ فِي الفُتْيَا فِي الفِقْهِ، وَكَانَ حَسَنَ الخُلُقِ، مَلِيحَ المُجَالَسَةِ، كَثِيْرَ الحِكَايَةِ وَالإِنشَادِ، وَكَانَ قَلَمُه أَبلَغُ مِنْ لِسَانِه، أَلَّفَ فِي الفِقْهِ وَالأُصُوْلِ، وَشَرَحَ كِتَابَ مُسْلِمٍ، وَكِتَابَ (التَّلْقِيْنِ) ، وَشَرَحَ (البُرْهَانَ) لأَبِي المَعَالِي الجُوَيْنِيِّ (٥) .


(١) لم نجد هذا النص في المطبوع منه.
(٢) انظر " الديباج المذهب " ٢ / ٢٥٠.
(٣) وهو أبو الحسن علي بن محمد الربعي المعروف باللخمي، متوفى سنة ٤٧٨ هـ، مترجم في " ترتيب المدارك " ٤ / ٧٩٧ و" شجرة النور " ١ / ١١٧.
(٤) في الأصل: عبد الحق، وهو خطأ، وهو أبو محمد عبد الحميد بن محمد القيرواني المعروف بابن الصائغ، متوفى سنة ٤٨٦ هـ، مترجم في " ترتيب المدارك " ٤ / ٧٩٤ - ٧٩٦، و" الديباج المذهب " ٢ / ٢٥ و" شجرة النور " ١ / ١١٧.
(٥) انظر " الديباج المذهب " ٢ / ٢٥١، وانظر بقية تصانيفه في " شجرة النور " ١ / ١٢٧.