للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ ابْنَ سُكَيْنَة يَقُوْلُ:

قُلْتُ لابْنِ نَاصر: أُرِيْد أَنْ أَقرَأَ عَلَيْك (دِيْوَان المُتَنَبِّي) ، وَ (شَرحه) لأَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيِّ.

فَقَالَ: إِنَّك دَائِماً تَقرَأُ عَلَيَّ الحَدِيْثَ مَجَّاناً، وَهَذَا شعر، وَنَحْنُ نَحتَاج إِلَى نَفَقَة.

قَالَ: فَأَعْطَانِي أَبِي خَمْسَة دَنَانِيْر، فَدَفَعتُهَا إِلَيْهِ، وَقَرَأْت الكِتَاب (١) .

وَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ: سَمِعَ ابْنُ نَاصر مَعَنَا كَثِيْراً، وَهُوَ شَافعِي أَشعرِي، ثُمَّ انْتقل إِلَى مَذْهَب أَحْمَد فِي الأُصُوْل وَالفُرُوْع، وَمَاتَ عَلَيْهِ، وَلَهُ جُوْدَة حَفِظ وَإِتْقَان، وَحُسنُ مَعْرِفَةٍ، وَهُوَ ثَبْتٌ إِمَامٌ (٢) .

وَقَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: هُوَ مقدمُ أَصْحَابِ الحَدِيْث فِي وَقْتِهِ بِبَغْدَادَ.

أَنْبَؤُوْنَا عَنِ ابْنِ النَّجَّار، قَالَ: قَرَأْت بِخَطِّ ابْنِ نَاصرٍ وَأَخْبَرَنِيه عَنْهُ سَمَاعاً يَحْيَى بن الحُسَيْنِ، قَالَ:

بقيت سِنِيْنَ لاَ أَدخل مَسْجِد أَبِي مَنْصُوْرٍ الخَيَّاط، وَاشْتَغَلت بِالأَدب عَلَى التِّبْرِيْزِيّ، فَجِئْت يَوْماً لأَقرَأَ الحَدِيْث عَلَى الخَيَّاط، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! تركت قِرَاءة القُرْآن، وَاشْتَغَلت بِغَيْره؟! عد، وَاقرَأْ عَلَيَّ ليَكُوْن لَكَ إِسْنَاد.

فَعدتُ إِلَيْهِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، وَكُنْت أَقُوْل كَثِيْراً: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لِي أَيَّ المَذَاهِبِ خَيْرٌ.

وَكُنْت مرَاراً قَدْ مضيتُ إِلَى القَيْرَوَانِي المُتَكَلِّم فِي كِتَابِ (التَّمهيد) لِلباقلاَنِي، وَكَأَنَّ مَنْ يَردنِي عَنْ ذَلِكَ.

قَالَ: فَرَأَيْت فِي المَنَامِ كَأَنِّيْ قَدْ دَخَلت المَسْجَد إِلَى الشَّيْخ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَبِجَنبه رَجُل عَلَيْهِ ثِيَاب بِيضٌ وَرِدَاء عَلَى عِمَامَتِهِ يُشبِهُ الثِّيَابَ الرِّيفِيَّةَ، دُرِّيَّ اللَّوْنِ، عَلَيْهِ نُورٌ وَبَهَاءٌ، فَسَلَّمتُ، وَجلَسْت بَيْنَ أَيدِيهِمَا، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي لِلرَّجُلِ هَيْبَة وَأَنَّهُ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا جلَسْت الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي: عَلَيْكَ بِمَذْهَبِ هَذَا الشَّيْخِ، عَلَيْكَ بِمَذْهَبِ هَذَا الشَّيْخ - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ -.

فَانْتبهت


(١) انظر " تذكرة الحفاظ " ٤ / ١٢٩٠.
(٢) انظر " تذكرة الحفاظ " ٤ / ١٢٩١.