للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البِلاَد وَهرَانَ، ثُمَّ تِلِمْسَان، ثُمَّ فَاس، ثُمَّ سَلاَ، ثُمَّ سَبتَة، ثُمَّ حَاصر مَرَّاكُش أَحَدَ عشرَ شَهْراً، فَأَخَذَهَا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَامتدّ ملكه، وَافتَتَح كَثِيْراً مِنَ الأَنْدَلُس، وَقصدته الشُّعَرَاء، وَلَمَّا قَالَ فِيْهِ التِّيْفَاشِيّ (١) قَصيدَتَه:

مَا هَزَّ عِطْفَيْهِ بَيْنَ البِيضِ وَالأَسَلِ ... مِثْلُ الخَلِيْفَةِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِي (٢)

أَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ يَقتصر عَلَى هَذَا الْمطلع، وَأَمَرَ لَهُ بِأَلف دِيْنَار، وَانقطعت الدعوَة العَبَّاسِيَّة بِمَوْت أَمِيْر المُسْلِمِيْنَ عَلِيّ بن تَاشفِيْن وَوَلَده تَاشفِيْن، وَكَانَتْ دَوْلَة تَاشفِيْن ثَلاَث سِنِيْنَ.

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِي (المِرْآةِ (٣)) : اسْتولَى عَبْد المُؤْمِنِ عَلَى مَرَّاكُش، فَقتل المُقَاتلَة، وَكفّ عَنِ الرَّعِيَّةِ، وَأَحْضَرَ اليَهُوْدَ وَالنَّصَارَى (٤) ، وَقَالَ: إِنَّ المَهْدِيّ أَمرنِي أَنْ لاَ أُقرَّ النَّاس إِلاَّ عَلَى مِلَّة الإِسْلاَم، وَأَنَا مُخيِّرُكُم بَيْنَ ثَلاَث: إِمَّا أَنْ تُسلمُوا، وَإِمَّا أَنْ تلحقُوا بِدَارِ الحَرْب، وَإِمَّا القتلُ.

فَأَسْلَمَ طَائِفَة، وَلحقت أُخْرَى بِدَارِ الحَرْب، وَخَرَّب كَنَائِسهُم، وَعملهَا مَسَاجِد، وَأَلغَى الجِزْيَة، فَعل ذَلِكَ فِي جَمِيْع مَدَائِنِهِ، وَأَنفق بيُوت الأَمْوَال، وَصَلَّى فِيْهَا اقتدَاء بعلِيٍّ، وَلِيُرِي النَّاس أَنَّهُ لاَ يَكنِزُ المَال، وَأَقَامَ كَثِيْراً مِنْ معَالِم الإِسْلاَم مَعَ سيَاسَة كَامِلَة، وَنَادَى: مَنْ تَركَ الصَّلاَة ثَلاَثاً، فَاقتلُوْهُ.

وَأَزَال المُنْكَر، وَكَانَ يؤم بِالنَّاسِ، وَيَتلو فِي اليَوْمِ سُبْعاً، وَيلبس


(١) في الأصل: التيتاشي، والمثبت من " وفيات الأعيان " وهي نسبة إلى تيفاش: من قرى قفصته بإفريقية.
وانظر " معجم البلدان " ٢ / ٦٦ و" الروض المعطار ": ١٤٦.
(٢) انظر " الكامل " ١١ / ٢٤٤.
(٣) ص ١١٨ حوادث سنة ٥٤٢.
(٤) ما بين حاصرتين من " مرآة الزمان ".