للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفِرَنْجُ، وَطَمِعُوا.

فَجَهَّزَ عَبْد المُؤْمِنِ عُمَر إِينتِي، فَدَخَلَ إِلَى الأَنْدَلُسِ، فَأَخَذَ الجَزِيْرَة الخَضْرَاء، ثُمَّ رُندَة، ثُمَّ إِشْبِيْلِيَة وَقُرْطُبَة وَغَرْنَاطَة، ثُمَّ سَارَ عَبْد المُؤْمِنِ بِجُيُوْشه، وَعدَى البَحْر مِنْ زقَاق سَبْتَة، فَنَزَلَ جبل طَارِق، وَسَمَّاهُ جبل الفَتْحِ، فَأَقَامَ أَشْهُراً، وَبَنَى هُنَاكَ قُصُوْراً وَمدينَة، وَوَفَدَ إِلَيْهِ كُبَرَاء الأَنْدَلُس، وَقَامَ بَعْض الشُّعَرَاء مُنشداً:

مَا لِلْعدَى جُنَّةٌ أَوقَى مِنَ الهَرَبِ ... أَيْنَ المفرُّ وَخيل الله فِي الطَّلَبِ؟

وَأَيْنَ يَذْهَب مَنْ فِي رَأْس شَاهقَةٍ*؟ ... وَقَدْ رَمَتْهُ سِهَام الله بِالشُّهب

حَدِّثْ عَنِ الرُّوْم فِي أَقطَار أَنْدَلُس ... وَالبَحْرُ قَدْ ملأَ البَرَّيْنِ بِالعرب (١)

فَأُعْجَب بِهَا عَبْد المُؤْمِنِ، وَقَالَ: بِمِثْلِ هَذَا يُمدح الخُلَفَاء.

ثُمَّ أَمَّر عَلَى إِشْبِيْلِيَة وَلده يُوْسُف، وَعَلَى قُرْطُبَة أَبَا حَفْصٍ عُمَر أَينتِي، وَعَلَى غَرْنَاطَة عُثْمَانَ وَلَدَه، وَقرر بِالأَنْدَلُسِ جَيْشاً كثيفاً مِنَ المصَامدَة وَالعرب وَقبَائِل بنِي هِلاَل، وَكَانَ قَدْ حَارَبَهُم مُدَّة، وَظَفِرَ بِهِم، وَأَذلهُم، ثُمَّ كَاتَبَهُم وَلاَطفهُم، فَخدمُوا مَعَهُ، وَخلعَ عَلَيْهِم، وَكَانَ دُخُوْله إِلَى الأَنْدَلُسِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَمِمَّا لاَطف بِهِ العربَ وَاسْتمَالَهُم قصيدَةٌ لَهُ، وَهِيَ:

أَقيمُوا إِلَى العليَاءِ هُوْجَ الرَّوَاحِلِ ... وَقُودُوا إِلَى الهيجَاءِ جُرْدَ الصَّوَاهلِ

وَقُومُوا لِنَصْرِ الدِّيْنِ قَوْمَةَ ثَائِرٍ ... وَشُدُّوا عَلَى الأَعْدَاءِ شَدَّةَ صَائِلِ

فَمَا العِزُّ إِلاَّ ظَهرُ أَجردَ سَابحٍ ... وَأَبيضُ مَأْثُوْرٌ وَلَيْسَ بِسَائِلِ (٢)


(١) الابيات مع المناسبة في " المعجب " ٣١٤، ٣١٥ وفيه " العبرين " بدل " البرين " وهي للشاعر الأصم المرواني ابن الطليق.
انظر سبب تسميته بابن الطليق في " المعجب " ٣١٥، ٣١٦.
(٢) ورد هذا البيت في " المعجب " ٣٢٩ في بيتين: فما العز إلا ظهر أجرد سابح * يفوت الصبا في شده المتواصل وأبيض مأثور كأن فرنده * على الماء منسوج وليس بسائل =