للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَلف الحَافِظ الضِّيَاء سيرَته فِي جُزْء، أَنْبَأَنِي بِهِ الشَّيْخ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الكَمَال وَغَيْرهُ بِسَمَاعِهِم مِنْهُ، فَقَالَ:

حَدَّثَنِي الإِمَام عَبْد اللهِ بن أَبِي الحَسَنِ الجُبَّائِيّ، قَالَ: مَضَيْت إِلَى زِيَارَة أَبِي الحُسَيْنِ الزَّاهِد بِحَلَبَ، وَلَمْ تَكن نِيَّتِي صَادِقَة، فَقَالَ: إِذَا جِئْت إِلَى المَشَايِخ، فَلتكن نِيَّتُك صَادِقَة فِي الزِّيَارَة.

سَأَلتُ خَالِي أَبَا عُمَرَ: هَلْ رَأَيْتَ أَبَا الحُسَيْنِ يَأْكُل شَيْئاً؟

فَقَالَ: رَأَيْتهُ يَأْكُل خَرُّوباً يَمُصُّه وَيَرمِي بِهِ، وَرَأَيْتُهُ يَأْكُل بقلاً مصلوقاً.

قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ سِنَانَ بنَ مُشَيّعٍ الرَّقِّيّ يَقُوْلُ:

رَأَيْتُ أَبَا الحُسَيْنِ المَقْدِسِيّ بِرَأْس عين فِي مَوْضِعٍ عُرْيَاناً قَدِ اتَّزر بقمِيْصه وَمَعَهُ حِمَار، وَالنَّاس قَدْ تَكَابُّوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: تَعَال.

فَتقدمتُ، فَأَخَذَ بِيَدِي، وَقَالَ: نَتواخَى؟

قُلْتُ: مَا لِي طَاقَة.

قَالَ: أَيش لَكَ فِي هَذَا؟

وَآخَانِي، وَقَالَ لوَاحِد مِنَ الجَمَاعَة: حِمَارِي يَحتَاج إِلَى رسن.

فَقَالُوا: ثمنه أَرْبَعَةُ فُلوس.

فَأَشَارَ إِلَى مَوْضِع فِي الْحَائِط: فإِني جزتُ هَا هُنَا، وخبأتُ ثَمَّ أَربع فُلُوس، اشتَرُوا لِي بِهَا حبلاً.

ثُمَّ قَالَ: أُرِيْد أَنْ تَشترِي لِي بدِيْنَار سمكاً.

قُلْتُ: كرَامَة، وَمِنْ أَيْنَ لَكَ ذهب؟

قَالَ: بَلَى مَعِي ذهب كَثِيْر.

قُلْتُ: الذّهب يَكُوْن أَحْمَر.

قَالَ: أَبصِرْ تَحْتَ الْحَشِيش.

فَأَخَذتُ الْحَشِيش، فَخَرَجَ دِيْنَار، فَاشْتَرَيْت لَهُ بِهِ سَمكاً، فَنظفه، وَشوَاهُ، ثُمَّ قَلاَهُ، ثُمَّ أَخرج مِنْهُ الْجلد وَالعِظَام، وَجَعَله أَقرَاصاً، وَجففه، وَتركه فِي جِرَابه، وَمَضَى وَلَهُ سنُوْنَ (١) مَا أَكل الْخبز.

وَكَانَ يَسكن جبالَ الشَّام، وَيَأْكُل البَلُّوْط وَالخرنوب.

قَالَ الضِّيَاء: قَرَأْت بِخَطِّ يُوْسُف بن مُحَمَّدِ بنِ مُقَلّد الدِّمَشْقِيّ: أَنَّهُ سَمِعَ


(١) في الأصل: سنين والصواب ما أثبتناه.