للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَمَّاداً الدَّبَّاس، ثُمَّ شَرعَ فِي دُعَاءِ الخَلقِ إِلَى اللهِ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَصَارَ لَهُ قَبُولٌ عَظِيْمٌ، وَأَفلح بِسَبِبِهِ أُمَّةٌ صَارُوا سُرُجاً، وَبَنَى مَدْرَسَةً وَرِبَاطَيْنِ، وَدرَّس وَأَفتَى، وَوَلِيَ تَدرِيس النِّظَامِيَّةِ، وَلَمْ أَرَ لَهُ أَصلاً يُعتمدُ عَلَيْهِ بِـ (الغَرِيْبِ (١)) .

وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مُطَّرحاً لِلتَّكَلُّفِ فِي وَعظِهِ بِلاَ سَجع، وَبَقِيَ سِنِيْنَ يَسْتَقِي بِالقِرْبَةِ بِالأُجْرَةِ، وَيَتَقَوَّتُ، وَيُؤثِرُ مَنْ عِنْدِهِ، وَكَانَتْ لَهُ خَرِبَةٌ يَأْوِي إِلَيْهَا هُوَ وَأَصْحَابُه، ثُمَّ اشْتَهَرَ، وَصَارَ لَهُ الْقبُول عِنْد المُلُوْك، وَزَاره السُّلْطَان، فَبنَى الخَرِبَةَ رِباطاً، وَبَنَى إِلَى جَانبه مَدْرَسَةً، فَصَارَ حِمَىً لِمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مِنَ الخَائِفِيْن يُجير مِنَ الخَلِيْفَة وَالسُّلْطَان، وَدرَّس بِالنِّظَامِيَّةِ سَنَة ٤٥، ثُمَّ عُزل بَعْد سنتَيْن، أَملَى مَجَالِس، وَصَنَّفَ مُصَنَّفَات ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:

وَصَحِبَ الشَّيْخ أَحْمَدَ الغَزَّالِيّ الوَاعِظَ، وَسلَّكه (٢) .

قُلْتُ: قَدْ أُوذِي عِنْدَ مَوْتِ السُّلْطَان مَسْعُوْد، وَأُحضر إِلَى بَابِ النُّوْبِي، فَأُهينَ، وَكُشِف رَأْسُه، وَضُرب خَمْسَ دُرَر، وَحُبس مُدَّةً، لأَنَّه درَّس بِجَاه مَسْعُوْد.

قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّجِيْبِ، قَالَ:

كُنْتُ أَدخلُ عَلَى الشَّيْخِ حَمَّادٍ وَفِيَّ فُتورٌ، فَيَقُوْلُ: دَخَلتَ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ ظُلْمَةٌ، وَكُنْتُ أَبقَى اليَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ لاَ أَسْتطعِمُ بزَادٍ، فَأَنْزِلُ فِي دِجْلَةَ أَتقَلَّبُ لِيسكُنَ جُوعِي، ثُمَّ اتَّخَذتُ قُربَةً أَسْتقِي بِهَا، فَمَنْ أَعْطَانِي شَيْئاً أَخذتُهُ، وَمَنْ لَمْ يُعْطنِي لَمْ أُطَالِبْهُ، وَلَمَّا تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ عَلَيَّ، خَرَجتُ إِلَى سُوقِ، فَوَجَدْتُ رَجُلاً بَيْنَ يَدَيْهِ طَبَرْزَدُ، وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ يَدقُّوْنَ الأَرزَّ، فَقُلْتُ:


(١) انظر " وفيات الأعيان " ٣ / ٢٠٤.
(٢) انظر " طبقات " السبكي ٧ / ١٤٧، ١٧٥، والاسنوي ٢ / ٦٤، ٦٥.