للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآخِر (١) المَوْصِلَ.

وَكَانَ نُوْر الدِّيْنِ حَامِل رَايَتَيِ العَدْل وَالجِهَاد، قلَّ أَنْ تَرَى العُيُونُ مِثْلَه، حَاصرَ دِمَشْق، ثُمَّ تَمَلَّكَهَا، وَبَقِيَ بِهَا عِشْرِيْنَ سَنَةً.

افتَتَح أَوَّلاً حُصُوْناً كَثِيْرَة، وَفَامِيَةَ، وَالرَّاوندَانَ، وَقَلْعَةَ إِلبِيْرَةَ، وَعزَازَ، وَتلَّ بَاشرَ، وَمَرْعَشَ، وَعَيْنَ تَابَ، وَهَزَمَ البُرْنُسَ صَاحِبَ أَنطَاكيَة، وَقتلَهُ فِي ثَلاَثَة آلاَفٍ مِنَ الفِرَنْجِ، وَأَظهرَ السُّنَّةَ بِحَلَبَ، وَقمعَ الرَّافِضَّةَ.

وَبَنَى المَدَارِسَ بِحَلَبَ وَحِمْصَ وَدِمَشْقَ وَبَعْلَبَكَّ وَالجَوَامِعَ وَالمَسَاجِدَ، وَسُلِّمت إِلَيْهِ دِمَشْقُ لِلْغلاَءِ وَالخوف، فَحَصَّنهَا، وَوسَّع أَسواقهَا، وَأَنشَأَ المَارستَان وَدَار الحَدِيْث وَالمدَارس وَمَسَاجِدَ عِدَّةً، وَأَبطل المُكُوْس مِنْ دَار بِطِّيخ وَسُوْقِ الغنمِ وَالكيَالَة وَضمَان النَّهْرِ وَالخَمْر، ثُمَّ أَخَذَ مِنَ العَدُوّ بَانِيَاسَ وَالمُنَيْطِرَةَ (٢) ، وَكسر الفِرَنْجَ مَرَّات، وَدوَّخهُم، وَأَذَلَهَّم.

وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، وَافر الهَيْبَة، حسن الرَّمْي، مليح الشّكل، ذَا تَعبُّد وَخوف وَورعٍ، وَكَانَ يَتعرَّضُ لِلشَّهَادَة، سَمِعَهُ كَاتِبه أَبُو اليُسْرِ يَسْأَل الله أَنْ يَحشُرَهُ مِنْ بُطُوْنِ السِّبَاعِ وَحَوَاصِل الطَّير.

وَبَنَى دَار العَدْل، وَأَنْصَفَ الرَّعِيَّة، وَوَقَفَ عَلَى الضُّعَفَاء وَالأَيْتَام وَالمُجَاوِرِيْنَ، وَأَمر بِتكمِيْل سُور المَدِيْنَة النَّبَوِيَّة، وَاسْتخرَاجِ العينِ بِأُحُد دَفَنهَا السَّيْل، وَفتح درب الحِجَاز، وَعَمَّر الخوَانق وَالرُّبط وَالجسور وَالخَانَات بِدِمَشْقَ وَغَيْرهَا، وَكَذَا فَعلَ إِذْ ملك حَرَّانَ وَسِنْجَارَ وَالرُّهَا وَالرَّقَّة وَمَنْبِجَ وَشَيْزَر وَحِمْص وَحَمَاة وَصَرْخَد وَبَعْلَبَكَّ وَتَدمُرَ.

وَوَقَفَ كُتباً كَثِيْرَةً مُثَمَّنَة،


(١) غازي، تقدمت ترجمته برقم (١٢٤) .
(٢) وهو حصن بالشام قريب من طرابلس. " معجم البلدان " ٥ / ٢١٧.