للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى حمل كَلاَمك.

قَالَ: فَدعوت بِهِ، فَخلصتُ تِلْكَ اللَّيْلَة.

سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الغَنِيِّ، حَدَّثَنِي الشُّجَاع بن أَبِي زكرِي (١) الأَمِيْر، قَالَ:

قَالَ لِي الْملك الكَامِل يَوْماً: هَا هُنَا فَقِيْه قَالُوا إِنَّهُ كَافِر.

قُلْتُ: لاَ أَعْرفه.

قَالَ: بَلَى، هُوَ مُحَدِّث.

قُلْتُ: لَعَلَّهُ الحَافِظُ عَبْد الغَنِيِّ؟

قَالَ: هَذَا هُوَ.

فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْملك، العُلَمَاء أَحَدهُم يَطلب الآخِرَة، وَآخر يَطلب الدُّنْيَا، وَأَنْت هُنَا بَاب الدُّنْيَا، فَهَذَا الرَّجُل جَاءَ إِلَيْك أَو تَشَفَّع يطْلب شَيْئاً (٢) ؟

قَالَ: لاَ.

فَقُلْتُ: وَاللهِ هَؤُلاَءِ يَحسدُوْنَهُ، فَهَلْ فِي هَذِهِ البِلاَد أَرْفَع مِنْكَ؟

قَالَ: لاَ.

فَقُلْتُ: هَذَا الرَّجُل أَرْفَع العُلَمَاء كَمَا أَنْتَ أَرْفَع النَّاس.

فَقَالَ: جَزَاكَ اللهُ خَيراً كَمَا عَرَّفْتَنِي، ثُمَّ بعثَتُ رقعَة إِلَيْهِ أُوصيه بِهِ، فَطَلبنِي، فَجِئْت، وَإِذَا عِنْدَهُ شَيْخ الشُّيُوْخِ ابْن حَمُّوَيْه، وَعِزّ الدِّيْنِ الزّنجَارِيّ (٣) ، فَقَالَ لِي السُّلْطَان: نَحْنُ فِي أَمر الحَافِظ.

فَقَالَ: أَيُّهَا الْملك، القَوْم يَحسدُوْنَهُ، وَهَذَا الشَّيْخ بَيْنَنَا -يَعْنِي: شَيْخ الشُّيُوْخِ- وَحلفته هَلْ سَمِعْتَ مِنَ الحَافِظ كَلاَماً يُخْرِج عَنِ الإِسْلاَم؟

فَقَالَ: لاَ وَاللهِ، وَمَا سَمِعْتُ عَنْهُ إِلاَّ كُلَّ جَمِيْلٍ، وَمَا رَأَيْتهُ.

وَتَكلّم ابْن الزّنجَارِيّ، فَمدح الحَافِظ كَثِيْراً وَتَلاَمِذته، وَقَالَ: أَنَا أَعْرفهُم، مَا رَأَيْتُ مِثْلهُم.

فَقُلْتُ: وَأَنَا أَقُوْل شَيْئاً آخر: لاَ يَصل إِلَيْهِ مكروهٌ حَتَّى يُقْتَل مِنَ الأَكرَاد ثَلاَثَة آلاَف.

قَالَ: فَقَالَ: لاَ يُؤذَى الحَافِظ.

فَقُلْتُ: اكْتُبْ خطّك بِذَلِكَ، فَكَتَبَ.


(١) تصحفت في الذيل لابن رجب إلى (ذكرى) .
(٢) اختصر الامام الذهبي العبارة على عادته وأصلها (فهذا الرجل جاء إليك أو أرسل إليك شفاعة أو رقعة يطلب منك شيئا؟) .
(٣) تصحفت في الذيل لابن رجب إلى (الزنجاني) ، وهو عز الدين عثمان بن عبد العزيز الزنجاري الأمير (انظر تلخيص مجمع الآداب لابن الفوطي: ٤ / الترجمة ٣٠٠) .