للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَبِعْهُ.

فَمضيت، فَأَخَذتهُ، فَنفر كَثِيْراً، وَبَقِيَ جَمَاعَة يَضحكُوْن مِنْهُ.

فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ بِبركَة الحَافِظ سهّل أَمره، فَسُقته مَعَ جَامُوْسَيْنِ، فَسهُل أَمره، وَمَشَى فَبعته بقَرْيَة.

وَفَاتُهُ:

سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى يَقُوْلُ (١) : مَرِضَ أَبِي فِي رَبِيْع الأَوَّلِ مرضاً شدِيداً مَنعه مِنَ الكَلاَم وَالقِيَام، وَاشتدَّ سِتَّةَ عشرَ يَوْماً، وَكُنْت أَسْأَلُهُ كَثِيْراً: مَا يَشتهِي؟ فَيَقُوْلُ: أَشتهِي الجَنَّة، أَشتهِي رَحْمَة الله.

لاَ يَزِيْد عَلَى ذَلِكَ، فَجِئْته بِمَاء حَارّ، فَمدَّ يَده، فَوضأته وَقت الفَجْر، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! قُمْ صلّ بِنَا، وَخفّف.

فَصَلَّيْت بِالجَمَاعَة، وَصَلَّى جَالِساً، ثُمَّ جلَسْت عِنْد رَأْسه، فَقَالَ: اقْرَأْ يَس.

فَقرَأتهَا، وَجَعَلَ يَدعُوا وَأَنَا أُؤمّن، فَقُلْتُ: هُنَا دَوَاء تَشْرَبُهُ، قَالَ: يَا بُنَيَّ! مَا بَقِيَ إِلاَّ المَوْت.

فَقُلْتُ: مَا تَشتهِي شَيْئاً؟

قَالَ: أَشتهِي النَّظَر إِلَى وَجه الله- سُبْحَانه-.

فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ عَنِّي رَاض؟

قَالَ: بَلَى وَاللهِ (٢) .

فَقُلْتُ: مَا تُوصي بِشَيْءٍ؟

قَالَ: مَا لِي عَلَى أَحَد شَيْء، وَلاَ لأَحدٍ عَلَيَّ شَيْء.

قُلْتُ: تُوصينِي؟

قَالَ: أُوصيك بتَقْوَى الله، وَالمحَافِظَة عَلَى طَاعته، فَجَاءَ جَمَاعَة يَعُوْدُوْنَهُ، فَسلّمُوا، فَردّ عَلَيْهِم، وَجَعَلُوا يَتحدثُونَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ اذكرُوا الله، قَوْلُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله.

فَلَمَّا قَامُوا، جَعَلَ يذَكَرَ الله بِشفتيه، وَيُشِيْر بِعَيْنَيْهِ، فَقُمْت لأنَاول رَجُلاً كِتَاباً مِنْ جَانب المَسْجَد، فَرَجَعت وَقَدْ خَرَجت روحه -رَحِمَهُ الله- وَذَلِكَ يَوْم الاثْنَيْنِ، الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتِّ


(١) انظر الذيل لابن رجب: ٢ / ٢٨ - ٢٩. وقد اختصرها الذهبي على عادته في اختصار الاخبار وعنايته بالمعنى العام.
(٢) وتمام جوابه: (أنا عنك راض وعن أخوتك وقد أجزت لك ولاخوتك ولابن أختك إبراهيم) .