للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا المُشْتَغِلينَ بِهَا، وَبإِيثَارِ مُجَالَسَةِ أَهْلِهَا، وَكَانَ ثِقَةً فِي الحَدِيْثِ وَالقِرَاءاتِ - سَامَحَهُ اللهُ - (١) .

وَقَالَ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ (٢) : كَانَ الكِنْدِيُّ إِمَاماً فِي القِرَاءةِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ، وَانْتَقَلَ إِلَى مَذْهَبِهِ لأَجْلِ الدُّنْيَا (٣) ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ عَلَى السُّنَّةِ، وَصَّى إِلَيَّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَالوُقُوْفِ عَلَى دفنِهِ، فَفَعَلتُ.

وَقَالَ القِفْطِيُّ (٤) : آخرُ مَا كَانَ الكِنْدِيُّ بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ (٥) ، وَسَكَنَ حَلَبَ مُدَّةً، وَصَحِبَ بِهَا الأَمِيْرَ حسنَ ابْنَ الدَّايَةِ النُّوْرِيَّ (٦) وَالِيَهَا، وَكَانَ يَبتَاعُ الخليعَ (٧) مِنَ الملبُوسِ، وَيَتَّجِرُ بِهِ إِلَى الرُّوْمِ، ثُمَّ نَزلَ دِمَشْقَ، وَسَافَرَ مَعَ فَرُّوخشَاه إِلَى مِصْرَ، وَاقتنَى مِنْ كُتُبِ خَزَائِنهَا عِنْدَمَا أُبِيعَتْ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:

وَكَانَ ليِّناً فِي الرِّوَايَةِ، مُعْجَباً بِنَفْسِهِ فِيمَا يذكرهُ وَيَرْوِيْهِ، وَإِذَا نُوظِرَ جَبَهَ بِالقبيحِ، وَلَمْ يَكُنْ موفَّقَ القلَمِ، رَأَيْتُ لَهُ أَشيَاءَ بَارِدَةً (٨) ، وَاشْتُهِرَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَحِيْحَ العقيدَةِ.

قُلْتُ: مَا علمْنَا إِلاَّ خَيراً، وَكَانَ يُحبُّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَأَهْلَ الخَيْرِ،


(١) سامحه الله بسبب مجالسته لاهل الدنيا وإيثارهم.
(٢) موفق الدين ابن قدامة المقدسي المتوفى سنة ٦٢٠.
(٣) يعني إلى مذهب الحنفية، ولم يثبت أنه انتقل إليه لاجل الدنيا فقد مر أنه درسه في أول شبيبته بهمذان مدة سنين على سعد الرازي بمدرسة السلطان طغرل، فكأنه رآه الاحق بالاتباع، وكل إنسان يرى ما يرى وما وراء ذلك إن شاء الله إلا حسن إسلام، فكان ماذا؟ (٤) إنباه الرواة: ٢ / ١١.
(٥) وخمس مئة.
(٦) تحرفت في إنباه القفطي إلى: " النووي ".
(٧) الخليع من الثياب: الخلق.
(٨) في الأصل: " نادرة " والتصحيح من خط الذهبي في " تاريخ الإسلام "، وأصل كلام القفطي: " ... أشياء قد ذكرها لا تخلو من برد في القول وفساد في المعنى واستعجال فيما يخبر به ".