للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأَقلاَم، وَسدت خلل (١) الكَلاَم، وَعَلَى المَمْلُوْكِ الضَّمَان فِي هَذِهِ النُّكْتَة، وَقَدْ فَات لِسَان القَلَم أَيّ سَكْتَة.

قُلْتُ: وَكَانَ سَائِساً، صَائِب الرَّأْي، سعيداً، اسْتولَى عَلَى البِلاَد، وَامتدت أَيَّامه، وَحكم عَلَى الحِجَاز، وَمِصْر، وَالشَّام، وَاليَمَن، وَكَثِيْر مِنَ الجَزِيْرَة، وَدِيَار بَكْرٍ، وَأَرْمِيْنيَةَ.

وَكَانَ خَلِيقاً لِلمُلك، حَسَن الشّكل، مَهِيْباً، حليماً، دَيِّناً، فِيْهِ عِفَّة وَصَفح وَإِيثَار فِي الجُمْلَةِ.

أَزَال الخُمُوْر وَالفَاحشَة فِي بَعْضِ أَيَّام دَوْلَته، وَتَصدَّق بِذَهَب كَثِيْر فِي قَحط مِصْر، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ كَفَّن مِنَ الموتَى ثَلاَث مائَة أَلْف، وَالعُهدَة عَلَى سِبْط الجَوْزِيّ فِي هَذِهِ (٢) .

وَسيرته مَعَ أَوْلاَد أَخِيْهِ مَشْهُوْرَة، ثُمَّ لَمْ يزَلْ يرَاوَغهم وَيلقِي بَيْنهُم حَتَّى دحَاهُم، وَتَمَكَّنَ وَاسْتَوْلَى عَلَى مَمَالِك أَخِيْهِ، وَأَبعد الأَفْضَل إِلَى سُمَيسَاط، وَودَع (٣) الظَّاهِر وَكَاسر عَنْهُ لَكُوْن بِنْته زَوجته، وَبَعَثَ عَلَى اليَمَنِ حَفِيْده المَسْعُوْد أَطسز (٤) ابْن الكَامِل، وَنَاب عَنْهُ بِمَيَّافَارِقِيْن ابْنه الأَوْحَدُ، فَاسْتولَى عَلَى أَرْمِيْنِيَةَ.

ثُمَّ إِنَّهُ قسّم المَمَالِك بَيْنَ أَوْلاَده، وَكَانَ يصيّف بِالشَّامِ غَالِباً وَيَشتو بِمِصْرَ.

جَاءته خِلَع السّلطنَة مِنَ النَّاصِر لِدِيْنِ اللهِ، وَهِيَ: جُبَّة سَوْدَاء بِطرز ذهب وَجَوَاهر فِي الطّوق، وَعِمَامَة سَوْدَاء مَذَهَّبَة، وَطوْق، وَسيف، وَحصَان


(١) زيادة من وفيات ابن خلكان.
(٢) المرآة: ٨ / ٥٩٥ وقد نبه الذهبي على مجازفة سبط ابن الجوزي غير مرة، وهذه منها، فقد قال في " تاريخ الإسلام " معلقا على هذه الحكاية: " هذا خسف من لا يتقي الله فيما يقوله ".
(٣) أي: ترك.
(٤) ويقال فيه " آتسز " بالتاء، و" آت " بالتركية " اسم " " سز ": بلا، فيكون: بلا اسم.