للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العِلْمِ وَالعِبَادَةِ، حسنَ الأَخْلاَقِ، قَلِيْلَ الرَّغبَةِ فِي الدُّنْيَا، تُوُفِّيَ فِي عَاشرِ رَجَبٍ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقلَّ مَنْ تخلَّفَ عَنْ جِنَازَتِهِ.

وَقَالَ أَبُو شَامَةَ (١) : أَخْبَرَنِي مَنْ حضَرَهُ (٢) قَالَ: صَلَّى الظُّهْرَ، وَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنِ العصرِ، وَتوضَأَ، ثُمَّ تَشهَّدَ وَهُوَ جَالِسٌ، وَقَالَ: رضيتُ بِاللهِ ربّاً، وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً، لقَّنَنِي اللهُ حُجَّتِي، وَأَقَالَنِي عَثْرَتِي، وَرَحِمَ غُرْبَتِي (٣) ، ثُمَّ قَالَ: وَعليكُمُ السَّلاَمُ، فَعلِمْنَا أَنَّهُ حضَرَتِ المَلاَئِكَةُ، ثُمَّ انْقَلْبَ مَيتاً، غسَّلَهُ الفَخْرُ ابْنُ المَالِكِيِّ، وَابْنُ أَخِيْهِ تَاجُ الدِّيْنِ (٤) ، وَكَانَ مَرَضُهُ بِالإِسهَالِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَخُوْهُ زَينُ الأُمَنَاءِ، وَمَنِ الَّذِي قَدِرَ عَلَى الوُصُوْلِ إِلَى سَرِيْرِهِ (٥) ؟

وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: هُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ المُبرزِينَ، بَلْ وَاحدُهُم فَضْلاً وَقدراً، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، كَانَ زَاهِداً، ثِقَةً، متجهِّداً، غزِيْرَ الدَّمْعَةِ، حسنَ الأَخْلاَقِ، كَثِيْرَ التَّوَاضعِ، قَلِيْلَ التَّعَصُّبِ، سلكَ طَرِيْقَ أَهْل اليَقينِ، وَكَانَ أَكْثَرَ أَوقَاتِهِ فِي بَيْتِهِ فِي الجَامِعِ، يَنشرُ العِلْمَ، وَكَانَ مطَّرِحَ الكَلَفِ، عُرِضَتْ عَلَيْهِ (٦) منَاصبُ فَتركهَا، وُلِدَ فِي رَجَبٍ، وَعَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ الجمعُ لاَ يَنحصرُ كَثْرَةً فِي جِنَازَتِهِ، حَدَّثَ بِمَكَّةَ وَدِمَشْقَ وَالقُدْسَ، وَصَنَّفَ عِدَّةَ مُصَنَّفَاتٍ، وَسَمِعنَا مِنْهُ.


(١) ذيل الروضتين: ١٣٩.
(٢) يعني من حضر وفاته.
(٣) بعدها عند أبي شامة: وآنس وحدتي.
(٤) يعني عبد الوهاب ابن زيد الامناء.
(٥) الجملة الأخيرة اختصار من الذهبي لفقرة كاملة ذكرها أبو شامة عن ازدحام الناس عند تشييعه.
(٦) في الأصل " عليها " ولعلها سبق قلم من الناسخ.