للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقصد بَغْدَاد، وَوصل بوَادره إِلَى حُلْوَان فَأَهْلكهُم بِبَلْخَ، دَام عِشْرِيْنَ يَوْماً وَاتعظُوا بِذَلِكَ، وَجَمَعَ النَّاصِر الجَيْش، وَأَنفق الأَمْوَال،

وَاسْتعدّ، فَجَاءتِ الأَخْبَار أَنَّ التّرك قَدْ حشدُوا، وَطمعُوا فِي البِلاَد، فَكرّ إِلَيْهِم (١) وَقصدهُم فَقصدُوْهُ وَكثروهُ إِلَى أَنْ مزّقوهُ (٢) ، وَبلبلُوا لُبّه وَشتّتُوا شَمله، وَملكُوا الأَقطَار، وَصَارَ أَيْنَ تَوجّه وَجد سيوفهُم متحكمَةً فِيْهِ، وَتَقَاذفتْ بِهِ البِلاَد، فَشرّق وَغرّب، وَأَنجد وَأَسهل، وَأَصحر وَأَجبل، وَالرّعب قَدْ زَلْزَلَ لُبَّهُ، فَعند ذَلِكَ قَضَى نَحْبَه.

قُلْتُ: جَرَى لَهُ وَلابْنِهِ منكوبرتي عَجَائِب وَسيرٌ، وَذَلِكَ عِنْدِي فِي مُجَلَّد أَلّفه النَّسَوِيّ كَاتِب الإِنشَاء (٣) .

قَالَ المُوَفَّقُ: وَكَانَ الشَّيْخ شِهَاب الدِّيْنِ السُّهْرَوَرْدِيّ لَمّا ذهب فِي الرِّسَالَة خَاطب خُوَارِزْم شَاه مُحَمَّداً بِكُلِّ قَوْل، وَلاَطفه، وَلاَ يَزدَاد إِلاَّ عتُوّاً (٤) ، وَلَمْ يَزَلِ النَّاصِر فِي عزّ وَقمع الأَعْدَاء، وَلاَ خَرَجَ عَلَيْهِ خَارِجِيّ إِلاَّ قمعه، وَلاَ مخَالف إِلاَّ دَمَغَهُ، وَلاَ عَدو إِلاَّ خذل، كَانَ شَدِيد الاهتمَام بِالملك، لاَ يَخفَى عَلَيْهِ كَبِيْر شَيْء مِنْ أُمُوْر رَعيته، أَصْحَاب أَخْبَاره فِي البِلاَد، حَتَّى كَأَنَّهُ شَاهِد جَمِيْع البِلاَد دفعَة وَاحِدَة، كَانَتْ لَهُ حيل لطيفَة، وَخدع لاَ يَفطُنُ إِلَيْهَا أَحَد، يُوقع صدَاقَة بَيْنَ مُلُوْك متعَادِيْنَ، وَيوقع عدَاوَة بَيْنَ مُلُوْك متوَادِّيْنَ وَلاَ يَفطنُوْنَ ... ،


(١) يعني خوارزمشاه.
(٢) في تاريخ الإسلام: " فقصدهم فقصدوه ثم كايدوه وكاثروه ".
(٣) هو شهاب الدين محمد بن أحمد النسوي، وكتابه هو " سيرة السلطان جلال الدين منكوبري " كتبه بعد سنة ٦٣٩ ونشره حافظ حمدي بالقاهرة سنة ١٩٥٣ م.
(٤) في تاريخ الإسلام: " إلا طغيانا وعتوا " والذهبي - كما هو معروف يتصرف -.