المَوْصِل، وَكَانَ يُوْصَف بِقُوَّةٍ مُفْرِطَةٍ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَحَجَّ هُوَ وَالأَمِيْرُ أَسَدُ الدِّيْنِ شِيرْكُوْهُ بنُ شَاذِي، وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ أَوقَافٌ وَبِرٌّ وَمَدْرَسَة بِالمَوْصِلِ.
فَلَمَّا مَاتَ، تَملك إِرْبِل ابْنه هَذَا وَهُوَ مُرَاهِق، وَصَارَ أَتَابَكه مُجَاهِد الدِّيْنِ قَيْمَاز، فَعمل عَلَيْهِ قَيْمَاز، وَكَتَبَ مَحضراً بِأَنَّهُ لاَ يَصلُح لِلمُلْك، وَقبضَ عَلَيْهِ، وَمَلَّكَ أَخَاهُ زَيْن الدِّيْنِ يُوْسُف، فَتوجّه مُظَفَّر الدِّيْنِ إِلَى بَغْدَادَ، فَمَا الْتَفَتُوا عَلَيْهِ، فَقَدِمَ المَوْصِلَ عَلَى صَاحِبِهَا سَيْفِ الدِّيْنِ غَازِي بنِ مَوْدُوْدٍ، فَأَقطعه حَرَّان، فَبقِي بِهَا مُدَيْدَة، ثُمَّ اتَّصل بِخدمَة السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ، وَغَزَا مَعَهُ، وَتَمَكَّنَ مِنْهُ، وَأَحَبّه، وَزَاده الرُّهَا، وَزَوَّجَهُ بِأُخْته رَبِيْعَةَ وَاقِفَةِ الصَّاحبيَّةِ.
وَأَبَان مُظَفَّر الدِّيْنِ عَنْ شجَاعَة يَوْم حِطِّين، وَبَيَّنَ، فَوَفَدَ أَخُوْهُ صَاحِب إِرْبِل عَلَى صَلاَح الدِّيْنِ نَجدَة، فَتمرض، وَمَاتَ عَلَى عَكَّا، فَأَعْطَى السُّلْطَان مُظَفَّر الدِّيْنِ إِرْبِل وَشهرزور، وَاسْترد مِنْهُ حَرَّان وَالرُّهَا.
وَكَانَ مُحِبّاً لِلصَّدقَة، لَهُ كُلّ يَوْم قنَاطير خُبْز يُفرِّقهَا، وَيَكسو فِي العَامِ خلقاً وَيُعْطِيهُم دِيْنَاراً وَدِيْنَارَيْنِ، وَبَنَى أَرْبَع خَوَانك لِلزَّمْنَى وَالأَضرَّاء، وَكَانَ يَأْتيهِم كُلّ اثْنَيْنِ وَخَمِيْس، وَيَسْأَل كُلّ وَاحِد عَنْ حَالِه، وَيَتفقَّده، وَيُبَاسِطه، وَيَمزح مَعَهُ.
وَبَنَى دَاراً لِلنِّسَاءِ، وَدَاراً لِلأَيتَامِ، وَدَاراً لِلُّقطَاءِ، وَرتَّبَ بِهَا المَرَاضِعَ.
وَكَانَ يَدُور عَلَى مَرْضَى البيمَارستَان.
وَلَهُ دَارٌ مُضِيف يَنْزِلهَا كُلّ وَارد، وَيُعْطَى كُلّ مَا يَنْبَغِي لَهُ.
وَبَنَى مَدْرَسَةً لِلشَّافِعِيَّة وَالحَنَفِيَّة، وَكَانَ يَمدّ بِهَا السِّمَاط، وَيَحضر السَّمَاع كَثِيْراً، لَمْ يَكُنْ لَهُ لَذَّة فِي شَيْءٍ غَيْره.
وَكَانَ يَمْنَع مِنْ دُخُوْلِ مُنْكَرٍ بَلَدَهُ، وَبَنَى لِلصُّوْفِيَة رِبَاطَينِ، وَكَانَ يَنْزِل إِلَيْهِم لأَجْل السَّمَاعَات.
وَكَانَ فِي السَّنَةِ يَفْتَكُّ أَسرَى بِجُملَةٍ، وَيُخْرِجُ سَبِيلاً لِلْحَجِّ، وَيَبعثَ لِلمُجَاوِرِيْنَ بِخَمْسَةِ آلاَف دِيْنَارٍ، وَأَجرَى المَاء إِلَى عرفَات.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute