أَخْرَجَهُ مِنْهَا الأَشْرَفُ، وَنَادَى فِي المَدَارِسِ: مَنْ ذَكَرَ غَيْرَ التَّفْسِيْرِ وَالفِقْهِ، أَوْ تَعرَّض لِكَلاَمِ الفَلاَسِفَةِ، نَفَيْتُهُ.
فَأَقَامَ السَّيْف خَامِلاً فِي بَيْتِه إِلَى أَنْ مَاتَ، وَدُفِنَ بِتُربته بِقَاسِيُوْن
قُلْتُ: أَخَذَ عَنْهُ: القَاضِيَان ابْن سَنِيِّ الدَّوْلَة صَدْر الدِّيْنِ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ ابْن الزَّكِيِّ.
وَكَانَ القَاضِي تَقِيّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ حَمْزَةَ يَحكِي عَنْ شَيْخه ابْنِ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا نَتردَّدُ إِلَى السَّيْفِ، فَشَكَكنَا هَلْ يُصَلِّي أَمْ لاَ؟
فَنَام، فَعَلَّمْنَا عَلَى رِجْلِهِ بِالحِبْرِ، فَبَقِيَتِ العَلاَمَةُ يَوْمَيْنِ مَكَانَهَا، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مَا تَوَضَّأَ - نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ فِي الدِّيْنِ -!
وَقَدْ حَدَّثَ السَّيْفُ بِـ (الغَرِيْبِ) لأَبِي عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الفَتْحِ بنِ شَاتيل.
قَالَ لِي شَيْخنَا ابْنُ تَيمِيَةَ: يَغلِبُ عَلَى الآمِدِيِّ الحِيرَةُ وَالوَقف حَتَّى إِنَّهُ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ سُؤَالاً فِي تَسَلسُلِ العِلَلِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ عَنْهُ جَوَاباً، وَبَنَى إِثْبَاتَ الصَّانعِ عَلَى ذَلِكَ، فَلاَ يُقَرِّرُ فِي كُتُبِه إِثْبَاتَ الصَّانعِ، وَلاَ حُدوثَ العَالَمِ، وَلاَ وَحدَانِيَة الله، وَلاَ النّبوَات، وَلاَ شَيْئاً مِنَ الأُصُوْل الكِبَارِ.
قُلْتُ: هَذَا يَدلّ عَلَى كَمَال ذِهنِه، إِذْ تَقرِير ذَلِكَ بِالنَّظَرِ لاَ يَنهض، وَإِنَّمَا يَنهض بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (١) ، وَبِكُلٍّ قَدْ كَانَ السَّيْفُ غَايَةً، وَمَعْرِفَتُه بِالمَعْقُوْل نِهَايَةً، وَكَانَ الفُضَلاَءُ يَزْدَحِمُوْنَ فِي حَلْقَتِهِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبْدِ السَّلاَمِ يَقُوْلُ:
مَا سَمِعْتُ مَنْ يُلقِي الدَّرْسَ أَحْسَن مِنَ السَّيْفِ، كَأَنَّهُ يَخطُبُ، وَكَانَ يُعظِّمُهُ.
(١) هذا هو الحق، ورأي الذهبي هو الصواب إن شاء الله تعالى، فالعقل قاصر عن إدراك مثل هذه الأمور.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute