مُدَّعٍ عَلَيْهِ بِأَلفِ دِيْنَارٍ وَيَحضرُ شُهُوْدُهُ، فَيتحيّر الرَّجُلُ وَيُبْهَتُ، فَيَقُوْلُ الرّفِيعُ: صَالِحْ غرِيْمَكَ.
فَيُصَالِح عَلَى النِّصْفِ، فَاسْتُبيحت أَمْوَالُ المُسْلِمِيْنَ، وَعظُمَ الخطبُ، وَتعثّر خَلقٌ، وَعَظُمَت الشّنَاعَاتُ، وَاسْتغَاثُوا إِلَى الصَّالِحِ، فَطَلَبَ وَزِيْرَهُ، وَقَالَ: مَا هَذَا؟
فَخَافَ، وَكَانَ أُسّ البَلاَءِ المُوَفَّق الوَاسِطِيّ فَتحَ أَبْوَابَ الظُّلمِ، فَبَادرَ الوَزِيْرُ وَأَهْلَكَهُمَا لِئَلاَّ يُقرَّا عَلَيْهِ وَلِيُرضِيَ النَّاسَ، وَيُقَالُ: كَانَ الصَّالِحُ يَدْرِي أَيْضاً.
ذَكَرَ الصَّدْرُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَسَاكِرَ فِي (جَرِيْدَتِه) : أَنَّ القَاضِيَ الرّفِيعَ دَخَلَ مِنْ تَوجههِ إِلَى بَغْدَادَ رَسُوْلاً، فَرَكِبَ لِتلقِّيه الوَزِيْرُ أَمِيْنُ الدَّوْلَةِ، وَالمَنْصُوْرُ وَلدُ السُّلْطَان، فَدَخَلَ فِي زخمٍ عَظِيْمٍ، وَعَلَيْهِ خِلْعَةٌ سَوْدَاءُ وَعَلَى جَمِيْعِ أَصْحَابِهِ، فَقِيْلَ: مَا دَخَلَ بَغْدَادَ وَلاَ أَخذت مِنْه الرِّسَالَةُ، فَرَدَّ، وَاشْتَرَى الخلعَ لأَصْحَابِهِ مِنْ عِنْدِهِ.
قَالَ: وَشرعَ الصَّالِحُ فِي مصَادرَةِ النَّاسِ عَلَى يَدِ الرّفِيعِ، وَكَتَبَ إِلَى نُوَّابهِ فِي القَضَاءِ يَطلبُ مِنْهُم إِحضَارَ مَا تَحْتَ أَيَدِيهِم مِنْ أَمْوَالِ اليَتَامَى، وَكَانَ يَسلُكُ طَرِيْقَ الوُلاَةِ، وَيْحَكمُ بِالرشوَةِ، وَيَأْخذُ مِنَ الخَصْمَينِ، وَلاَ يُعدّل أَحَداً إِلاَّ بِمَالٍ، وَيَأْخذُ جَهراً، وَاسْتعَارَ أَرْبَعِيْنَ طَبَقاً ليهدِيَ فِيْهَا إِلَى صَاحِبِ حِمْص فَلَمْ يَردّهَا، وَغَارتِ المِيَاهُ فِي أَيَّامِهِ، وَيَبِسَتِ الشَّجَرُ وَصعقتْ، وَبطلت الطّوَاحينُ، وَمَاتَ عَجَمِيٌّ خلّفَ مائَةَ أَلْفٍ فَمَا أَعْطَى بِنْتَه فَلْساً، وَأَذِنَ لِلنِّسَاءِ فِي عُبورِ جَامِعِ دِمَشْقَ، وَقَالَ: مَا هُوَ بِأَعْظَمَ مِنَ الحَرَمَيْنِ، فَامتلأَ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لَيْلَةَ النِّصْفِ.
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ (١) : حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ أَعيَانٌ: أَنَّ الرّفِيع كَانَ فَاسِدَ العقيدَةِ، دَهْرِيّاً، يَجِيْءُ إِلَى الجُمُعَةِ سكرَاناً، وَأَنَّ دَارَهُ مِثْلُ الحَانَةِ.
(١) مرآة الزمان: ٨ / ٧٥٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute