للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْتُ: وَقَدْ عُمِّرَ، وَسَاءَ خُلقُه، وَبَقِيَ يُحَدِّث بِالأُجرَةِ، وَيَتعَاسرُ، وَحِكَايَة المُحِبِّ مَعَهُ اشْتهرت، فَإِنَّهُ رَحل وَبَادَرَ إِلَيْهِ بِـ (جُزء البَانْيَاسِيّ) وَهُوَ عَلَى حَانُوْت، فَقَالَ: مَا لِي فَرَاغ السَّاعَة.

فَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَتركه وَقَامَ، فَتبِعَه، وَابتدَأَ فِي الجُزْء، فَقَرَأَ وَرقَةً، وَوصلَ الشَّيْخ إِلَى بَيْته، فَضَرَبَه بِالعَصَا ضربتَيْنِ وَقعت الوَاحِدَة فِي الجُزْءِ، وَدَخَلَ وَأَغلق البَاب.

قَرَأْتُ هَذَا بِخَطِّ المُحبِّ، فَالذَّنْب مركّب مِنْهُمَا!

قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: هُوَ صَحِيْحُ السَّمَاع، إِلاَّ أَنَّهُ عَسِرٌ جِدّاً، يَذْهَب إِلَى الاعتزَال.

قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّهُ يَرَى رَأْي الفلاسفَةِ، وَيَتهَاون بِالأُمُوْر الدّينِيَّةِ، مَعَ حُمقٍ ظَاهِرٍ فِيْهِ، وَقِلَّةِ عِلْمٍ.

قُلْتُ: ثُمَّ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ اندَكّ وَتَعَلَّلَ، وَوَقَعَ فِي الْهَرم، وَلَزِمَ بَيْته، وَهُوَ مِنْ آخر مَنْ رَوَى حَدِيْث مَالِك الإِمَامَ بِعُلُوٍّ، كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ خَمْسَةُ أَنْفُسٍ (١) .

مَاتَ: فِي حَادِي عَشَرَ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.

وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو مَدْيَن شُعَيْب بن يَحْيَى الزَّعْفَرَانِيّ بِمَكَّةَ، وَالشَّيْخ عَبْد الرَّحْمَانِ بن أَبِي حَرَمِي المَكِّيّ النَّاسخ، وَإِمَام النَّحْو أَبُو عَلِيٍّ عُمَر بن مُحَمَّدٍ الأَزْدِيّ الشَّلَوْبِيْن، وَالمُنْشِئ جَلاَل الدِّيْنِ مُكَرَّم بن أَبِي الحَسَنِ الأَنْصَارِيّ، وَالصَّاحب هِبَة اللهِ بن الحَسَنِ ابْن الدَّوَامِيّ، وَالأَمِيْرُ شَرَفُ الدِّيْنِ يَعْقُوْب بن مُحَمَّدٍ الهَذَبَانِيّ، وَصَاحِبُ مَيَّافَارِقِيْن المُظَفَّر غَازِي ابْن العَادل، وَشَيْخُ الفُقَرَاء عليّ الحَرِيْرِيّ.


(١) ذكر الذهبي في تاريخ الإسلام أنهم: ابن البطي وغيره عن البانياسي عن أبي الصلت عن الهاشمي عن أبي مصعب عن مالك.