للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَخْشَى الإِلَهَ فَمَا تَنَامُ عِنَايَةً ... بِالمُسْلِمِيْنَ وَكُلُّهُم بِكَ نَائِمُ

إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَامَ بِأَمر الجِهَاد أَحْسَن قيَامٍ، وَجَمَعَ العَسَاكِر، وَقمع الطغَام، وَبَذَلَ الأَمْوَالَ، وَحفظَ الثُّغُوْر، وَافتَتَح الحُصُون، وَأَطَاعَهُ المُلُوْك.

قَالَ: وَبيعت كُتب العِلْم فِي أَيَّامِهِ بِأَغلَى الأَثَمَان لِرَغبته فِيْهَا، وَلوَقفِهَا.

وَخَطَهُ الشَّيبُ، فَخَضَّب بِالحِنَّاءِ، ثُمَّ تَركه.

قُلْتُ: كَانَتْ دَوْلَتُه جيِّدَةَ التّمكن، وَفِيْهِ عدلٌ فِي الجُمْلَةِ، وَوَقْعٌ فِي النُّفُوْس.

اسْتَجَدَّ عَسْكَراً كَثِيْراً لَمَّا عَلِمَ بِظُهُوْرِ التَّتَارِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ يُقَالَ: بَلغَ عِدَّةُ عَسْكَرِهِ مائَةَ أَلْفٍ، وَفِيْهِ بُعْدٌ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ نَمَى فِي طَاعَتِهِ مِنْ مُلُوْكِ مِصْر وَالشَّام وَالجَزِيْرَة، وَكَانَ يُخْطَبُ لَهُ بِالأَندلسِ وَالبِلاَدِ البعيدةِ.

قَالَ السَّاعِي: حَضَرتُ بَيعَتَهُ، فَلَمَّا رُفِعَ السَّتر شَاهَدتُه وَقَدْ كَمَّل اللهُ صُوْرَتَه وَمَعْنَاهُ، كَانَ أَبْيَضَ بِحُمْرَةٍ، أَزَجَّ الحَاجِبَيْن، أَدعَجَ الْعين، سَهْلَ الخَدَّيْنِ، أَقْنَى، رَحْبَ الصَّدْرِ، عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبيَضُ وَبَقيَار (١) أَبيض، وَطَرْحَةُ قَصَب بيضَاء، فَجَلَسَ إِلَى الظُّهْر.

قَالَ: فَبَلَغَنِي أَن عِدَّة الخِلَع بلغتْ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَخَمْسَ مائَةٍ وَسَبْعِيْنَ خِلْعَةًَ.

قُلْتُ: بلغَ مَغَلُّ وَقْفِ المُسْتَنْصِرِيَّة مَرَّةً نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَار فِي العَامِ، وَاتَّفَقَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي أَيَّامِهِ مَعَهُ سُلْطَانٌ يَحكمُ عَلَيْهِ، بَلْ مُلُوْك الأَطرَاف خَاضِعُوْنَ لَهُ، وَفِكْرُهُم مُتَقَسِّم بِأَمر التَّتَار وَاسْتيلاَئِهِم عَلَى خُرَاسَانَ.


(١) ضرب من العمائم (معجم دوزي: ١ / ٤٠٧) .