للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اسْتولَى هُوْلاَكُو عَلَى بَغْدَادَ، نَجَا هَذَا، وَانضمَّ إِلَى عَرَبِ العِرَاقِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِسلطنَة الْملك الظَّاهِر (١) وَفَدَ عَلَيْهِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ فِي عَشْرَة مِنْ آلِ مهَارش، فَرَكِبَ السُّلْطَان لِلْقَائِهِ وَالقُضَاة وَالدَّوْلَة، وَشَقَّ قصبَةَ القَاهِرَة، ثُمَّ أَثْبَتَ نَسَبَهُ عَلَى القُضَاة، وَبُوْيِعَ، فَرَكِبَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنَ القَلْعَةِ فِي السَّوَادِ حَتَّى أَتَى جَامِعَ القَلْعَةِ، فَصَعِدَ المِنْبَرَ، وَخَطَبَ وَلَوَّحَ بِشَرفِ آلِ العَبَّاسِ، وَدَعَا لِلسُّلْطَانِ وَلِلرَّعيَّةِ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ.

قَالَ القَاضِي جَمَال الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ سُومرَ المَالِكِيُّ: حَدَّثَنِي شَيْخُنَا ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، قَالَ:

لَمَّا أَخذنَا فِي بَيْعَةِ المُسْتَنْصِر، قُلْتُ لِلملكِ الظَّاهِر: بَايِعْهُ.

فَقَالَ: مَا أُحْسِنُ، لَكِن بَايِعْهُ أَنْتَ أَوَّلاً وَأَنَا بَعْدَكَ.

فَلَمَّا عقدنَا البَيْعَةَ، حَضَرنَا مِنَ الغَدِ عِنْد السُّلْطَان، فَأَثْنَى عَلَى الخَلِيْفَة، وَقَالَ: مِنْ جُمْلَةِ بَرَكَتِهِ أَنَّنِي دَخَلتُ أَمسِ الدَّارَ، فَقصدتُ مَسْجِداً فِيْهَا لِلصَّلاَةِ، فَأَرَى مصطبَة نَافرَة، فَقُلْتُ لِلْغلمَان: أَخرِبُوا هَذِهِ.

فَلَمَّا هَدَمُوهَا، انفتَحَ تَحْتهَا سَرب، فَنَزَلُوا، فَإِذَا فِيْهِ صنَادِيق كَثِيْرَة مَمْلُوْءة ذهباً وَفِضَّة مِنْ ذخَائِر الْملك الكَامِل -رَحِمَهُ اللهُ-.

قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الخَلِيْفَةُ الثَّامنُ وَالثَّلاَثُونَ مِنْ بَنِي العَبَّاسِ، بُوْيِعَ بِقَلْعَةِ الجبلِ، فِي ثَالِثَ عَشَرَ رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ (٢) .

وَكَانَ أَسْمَرَ آدَمَ، شُجَاعاً، مَهِيْباً، ضَخْماً، عَالِي الهِمَّةِ.

وَرَتَّبَ لَهُ السُّلْطَان أَتَابَكاً وَأُسْتَاذَ دَار، وَشرَابياً وَخَزْنَدَاراً وَحَاجِباً وَكَاتِباً، وَعيَّن لَهُ خزَانَةً، وَعِدَّةَ مَمَالِيْكَ، وَمائَة فَرَسٍ وَعشر قطَارَاتِ جمالٍ وَعشرَ قطَارَاتِ بغَالٍ إِلَى أَمثَالِ ذَلِكَ.

قَالَ أَبُو شَامَةَ (٣) : قُرِئَ بِالعَادليَة كِتَابُ السُّلْطَانِ إِلَى قَاضِي القُضَاةِ


(١) بيبرس البند قداري.
(٢) يعني: وخمسين وست مئة.
(٣) ذيل الروضتين: ٢١٣.