النَّاسُ مِنَ البَابِ الآخرِ، وَتَمَلَّكَهَا الفِرَنْج صَفْواً عَفْواً - نَعُوذ بِاللهِ مِنَ الخِذْلاَنِ - وَكَانَ السُّلْطَان بِالمَنْصُوْرَةِ، فَغَضِبَ عَلَى أَهْلِهَا، وَشَنَقَ سِتِّيْنَ مِنْ أَعيَانِ أَهْلهَا، وَذَاقُوا ذُلاً وَجوعاً، وَاسْتوحشَ العَسْكَر مِنَ السُّلْطَانِ - وَقِيْلَ: هَمَّ مَمَالِيْكُه بِقَتْلِهِ - فَقَالَ نَائِبه فَخْرُ الدِّيْنِ ابْن الشَّيْخ: اصبِرُوا فَهُوَ عَلَى شفَا.
فَمَاتَ فِي نِصْفِ شَعْبَانَ، وَأُخْفِيَ مَوْتُهُ إِلَى أَنْ أُحْضِرَ ابْنُهُ المُعَظَّمُ تُوْرَانْشَاه مِنْ حِصنِ كَيْفَا، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَلِيْلاً وَقَتَلُوْهُ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ المَنْصُوْرَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، فَسَاقت الفِرَنْج إِلَى الدِّهْلِيْز، فَخَرَجَ نَائِب السّلطنَةِ فَخْرُ الدِّيْنِ ابْن الشَّيْخ وَقَاتَلَ فَقُتِلَ، وَانْهَزَم المُسْلِمُوْنَ وَعَظُمَ الخَطْبُ، ثُمَّ تَنَاخَى العَسْكَر، وَكَرُّوا عَلَى العَدُوِّ فَطَحَنُوهُم، وَقَتَلُوا خَلْقاً، وَنَزَلَ النَّصْرُ.
ثُمَّ فِي ذِي الحِجَّةِ: كَانَ وُصُوْل المُعَظَّمِ، وَكَانَ نَوَى أَنْ يَفتك بِفَخْرِ الدِّيْنِ، لأَنَّه بَلَغَهُ أَنَّهُ رَامَ السَّلْطَنَةَ.
وَاستهلّت سَنَةَ ثَمَانٍ: وَالفِرَنْج عَلَى المَنْصُوْرَةِ بِإِزَاء المُسْلِمِيْنَ، وَلَكِنهُم فِي ضَعْفٍ وَجُوْعٍ، وَمَاتَتْ خَيلهُم، فَعزم الفَرنسِيسُ (١) عَلَى الرُّكوبِ ليلاً إِلَى دِمْيَاط، فَعَلِمَ المُسْلِمُوْنَ، وَكَانَتِ الفِرَنْج قَدْ عَملُوا جِسْراً عَظِيْماً عَلَى النِّيلِ، فَذَهلُوا عَنْ قطعه، فَدَخَلَ مِنْهُ المُسْلِمُوْنَ فَكَبَسُوهُم، فَالتَجَأَتِ الفِرَنْج إِلَى مُنْيَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَأَحَاطَ بِهِم الجَيْش، وَظَفِرَ أصطول المُسْلِمِيْنَ بِأصطولهم، وَغنمُوا مَرَاكِبَهُم، وَبَقِيَ الفَرنسيس فِي خَمْس مائَة فَارِسٍ وَخُذِلَ، فَطَلبَ الطّوَاشِي رشيد وَسَيْف الدِّيْنِ القيمرِي، فَأَتَوْهُ، فَطَلبَ أَمَاناً، فَأَمَّنَاهُ عَلَى أَنْ لاَ يَمرُّوا بِهِ بَيْنَ النَّاس، وَهَرَبَ جُمْهُوْرِ الفِرَنْج، وَتَبِعَهُم العَسْكَر، وَبقوا جُمْلَةً وَجُملَةً حَتَّى أُبِيْدت خَضْرَاؤُهُم، حَتَّى قِيْلَ: نَجَا مِنْهُم فَارِسَانِ، ثُمَّ غَرِقَا فِي البَحْر! وَغنم المُسْلِمُوْنَ مَا لاَ يُعَبَّر عَنْهُ.
(١) هو ملك فرنسا لويس التاسع، لعنه الله.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute