للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَفَقَّهَ، وَبَرَعَ، وَاشْتَغَل، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَانتهت إِلَيْهِ الإِمَامَة فِي الفِقْه، وَكَانَ يَدْرِي القِرَاءات، وَصَنَّفَ فِيْهَا أُرْجُوزَةً.

تَلاَ عَلَيْهِ: الشَّيْخ القَيْرَوَانِيُّ.

وَقَدْ حَجَّ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ عَلَى درب العِرَاق، وَانبهر عُلَمَاء بَغْدَاد لِذَكَائِهِ وَفَضَائِلِهِ، وَالتَمَسَ مِنْهُ أُسْتَاذ دَارِ الخِلاَفَةِ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ الجَوْزِيِّ الإِقَامَةَ عِنْدَهُم، فَتعلَّل بِالأَهْل وَالوَطَن.

سَمِعْتُ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّيْنِ أَبَا العَبَّاسِ يَقُوْلُ: كَانَ الشَّيْخ جَمَال الدِّيْنِ بن مَالِك يَقُوْلُ: أُلِينَ لِلشيخِ المَجْدِ الفِقْهُ كَمَا أُلِينَ لِدَاوُدَ الحديدُ.

ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ: وَكَانَتْ فِي جَدِّنَا حِدَّةٌ (١) .

قَالَ: وَحَكَى البُرْهَان المَرَاغِيّ أَنَّهُ اجْتَمَع بِالشَّيْخ الْمجد، فَأَوَرَدَ عَلَى الشيح نُكتَةً، فَقَالَ: الجَوَاب عَنْهَا مِنْ سِتِّيْنَ وَجهاً: الأَوّل كَذَا، الثَّانِي كَذَا ... ، وَسَرَدَهَا إِلَى آخرهَا، وَقَالَ: قَدْ رَضِينَا مِنْكَ بِإِعَادَةِ الأَجوبَةِ، فَخضعَ البُرْهَانُ لَهُ وَانبَهَرَ.

وَقَالَ العَلاَّمَة ابْنُ حَمْدَانَ: كُنْت أُطَالِعُ عَلَى درس الشَّيْخ وَمَا أُبقِي مُمْكِناً، فَإِذَا أَصْبَحت وَحَضَرت يَنقلُ أَشيَاء كَثِيْرَة لَمْ أَعْرفهَا قَبْل.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيّ الدِّيْنِ: كَانَ جدُّنَا عجباً فِي سرد المُتُوْنِ، وَحِفْظِ مَذَاهِب النَّاس، وَإِيرَادهَا بِلاَ كلفَة.

حَدَّثَنِي الإِمَام عَبْد اللهِ بن تَيْمِيَةَ: أَن جدّه رُبِّي يَتيماً، ثُمَّ سَافر مَعَ ابْنِ عَمّه إِلَى العِرَاقِ لِيَخْدمَهُ وَيُنفقه، وَلَهُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَكَانَ يَبَيْت عِنْدَهُ وَيَسْمَعُهُ يُكرر عَلَى مَسَائِل الخلاَف فَيحفظ المَسْأَلَة، فَقَالَ الفَخْر إِسْمَاعِيْل


(١) قلت: وفي إمام الأئمة أبي العباس حدة أيضا، وما وراء ذلك إلا الدفاع عن بيضة الإسلام.